والثاني: أن يكون من فعل المكلف نفسه، فان كان له بدل وجب أعلامه ذلك، فيكون من باب التخيير كالكفارات الثلاث، ومتى لم يعلمه ذلك قطعنا على أنه لا بدل له من فعله ولا من فعل الله تعالى، لأنه لو كان له بدل من فعل الله لما وجب عليه الفعل على كل حال.
والثالث: ما كان من فعل غير الله وغير المكلف، فان كان مع كونه لطفا لغيره لطفا له جاز أن يكون واجبا أو ندبا، وان لم يكن فيه له لطف أصلا وانما هو لطف للغير كان مباحا الا انه لا يحسن تكليف هذا الا بعد أن يعلم أنه فعله.
فعلى هذا ذبح البهائم التي ليست نسكا ولا ندبا (1) وانما هو مباح فوجه حسنه أنه لطف لغير الذابح، وقيل وجه حسنه أن فيه عوضا للمذبوح ونفعا لغيره بأكله، وكلاهما جائزان.
فعلى هذا الأفعال الشرعية ما هو واجب منها فوجه وجوبها كونها مصالح في الواجبات العقلية ويقبح تركها لأنها ترك لواجب، وما هو قبيح فوجه قبحها كونها مفسدة في الواجبات العقلية أو داعية الى القبائح العقلية، ويجب تركها لأنه ترك لقبيح، وما هو مباح فلأنها مصالح لغير فاعلها على ما مضى القول فيه. ومتى كانت المفسدة من فعله تعالى لم يحسن فعلها وان كانت من فعل المكلف نفسه، ويجب أن يعلمه وجوب ترك ما هو مفسدة له، وان كانت من فعل غيرهما لا يخلو المكلف من أن يكون قادرا على منعها أو لا يكون كذلك، فان كان قادرا جاز أن نوجب عليه المنع منها وحسن تكليفه، [وان لم يكن في مقدوره المنع منها] (2) فان كان المعلوم ان ذلك الغير لا يختارها حسن أيضا تكليفه، وان لم يكن ذلك معلوما وجب عليه تعالى المنع منها أو إسقاط
Page 79