ولا يلزم على ذلك بعثة نبي يعلم انه لا يؤدي ما حمله، لان بعثة نبي لا يؤدي إلينا ما لنا فيه مصلحة يمنع من إزاحة علتنا في التكليف ويوجب منع اللطف والتمكين، فلهذا لم يجز، لا لأنه تكليف من علم الله أنه يكفر. ولسنا ننكر أيضا ان يعرض في تكليف من علم الله أنه [يكفر وجه قبح يقبح تكليفه، بل لا ينكر ذلك في تكليف من علم الله أنه] (1) يؤمن، لأنه لو عرض فيه وجد المفسدة لقبح تكليفه وان آمن.
فاذا ثبت حسن التكليف بمن علم أنه يؤمن ومن علم أنه يكفر وجب أن يكون منقطعا، لان الغرض بالتكليف إذا كان هو الثواب فلو لم يكن التكليف منقطعا لانتقض الغرض بالتكليف، لان الثواب بالتكليف لا يمكن أن يكون مقترنا، لان من شأنه أن يكون خالصا صافيا من الشوب والتكدير حتى يحسن إلزام المشاق. وذلك لا يصح مع التكليف، لان التكليف لا يعرى من مشقة، وذلك يؤدي الى حصول الثواب على خلاف الوجه المستحق ويصرف به الغموم والمضار.
وأيضا لو اقترن الثواب بالتكليف لأدى الى أن يكون المكلف ملجأ، لأن المنافع العظيمة تلجئ الى فعل ما ضمنت عليه، ولذلك قلنا لا بد أن يكون بين زمان التكليف وبين حال الثواب زمان متراخ يخرج المكلف من حد الإلجاء. وانما كانت المنافع العظيمة العاجلة ملجئة لأنه يقتضي أن يفعل الطاعة لأجلها دون الوجوه التي يستحق عليها الثواب، وذلك يخرجها من أن يستحق لها الثواب أصلا، وذلك ينقض الغرض.
وأما القدر الذي يكون بين زمان التكليف وبين الثواب فليس بمحصور عقلا بل بحسب ما يعلمه الله تعالى، وانما يعلم على طريق الجملة انه لا بد من تراخ ومهلة.
Page 74