ذلك فالقادر على الكفر قادر على الايمان والقادر على الطاعة قادر على المعصية وانما يختار أحدهما فإن اختار الكفر فبسوء اختياره، ولو كان الكافر غير قادر (1) على الايمان لما حسن تكليفه بالإيمان، لأن تكليف ما لا يطاق قبيح وأجمعت الأمة على أنه مكلف بالايمان.
وانما قلنا ان تكليف ما لا يطاق قبيح، لأنه مركوز في العقل قبح تكليف الأعمى نقط المصاحف والمقعد العدو والعاجز حمل الأجسام الثقال ونقلها والعلم بقبح ذلك ضروري لاجتماع العقلاء على ذلك، ولا علة لذلك الا أنه تكليف بما لا يطاق. ومن ارتكب حسن ذلك لم يحسن منا مكالمته، وانما ينبه على غلطه بضرب الأمثال كما تضرب الأمثال السوفسطائية وأصحاب العنود الذين دفعوا العلم بالمشاهدات والضروريات، والا فالاحتجاج لا يمكن معهم لان الاحتجاج انما يصح فيما يغمض ليرد الى ما يتضح، فمن دفع الضروريات لا يمكن احتجاجه بالرد الى ما هو أوضح منه، لأنه لا شيء أوضح من الضروريات فمن دفعها سد الباب على نفسه.
والمراد بقولنا «تكليف ما لا يطاق» هو كلما يتعذر معه الفعل سواء كان ذلك لعدم القدرة أو عدم العلم أو عدم الإله، فإن الكل يتساوى في قبح التكليف وان اختلفت.
فصل (في الكلام في التكليف وجمل من أحكامه)
التكليف عبارة عن ارادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقة، ويقال في الأمر بما فيه كلفة ومشقة انه تكليف من حيث كان الأمر لا يكون أمرا إلا بإرادة
Page 61