يخلو أن يكون قبيحا أو حسنا، فما هو قبيح لا يجوز أن يكون فعلا له، لأنا قد بينا أنه لا يفعل القبيح، وما هو حسن لا يجوز أيضا أن يفعله لأنه فعلنا، والفعل الواحد لا يكون من فاعلين على ما نبينه.
ولا يجوز أن يكون قضاء أفعالهم بمعنى حكم أو أمر وألزم، لأن أحدا من الأمة لا يقول ان الله ألزمنا فعل المعاصي أو حكم علينا بأن نفعلها.
وأما القضاء بمعنى الأعلام والاخبار فإنه يجوز أن يقال على ضرب من التقييد، لان الله تعالى أخبر وأعلم ما لنا في فعل الطاعة من الثواب وما علينا بفعل المعاصي من العقاب، فجاز أن يضاف الى الله تعالى القضاء على هذا الوجه.
وأيضا فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يقول الله تعالى: «من لم يرض بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سواي» فلو كانت المعاصي بقضاء الله واحداثه لوجب الرضا بها، وذلك خلاف الإجماع.
والقول في القدر على مثل ذلك، لان القدر يستعمل بمعنى الأحداث والخلق كما قال «وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين» (1) فعلى هذا لا يجوز أن تكون المعاصي بقدر الله، لمثل ما قلناه في القضاء.
وقد يستعمل بمعنى التقدير كما قال تعالى «فقدرنا فنعم القادرون» (2) فعلى هذا يجوز أن يقال: أفعالنا بقدر الله، بمعنى أنه قدر ما علينا من الثواب أو العقاب، فينبغي أن يقيد القول في ذلك ولا يطلق به.
فان قيل: مضى في الكلام أن الواحد منا محدث لأفعاله وموجد لها، فما
Page 55