وكيف يشتبه الحال في ذلك ونحن نعلم أن سلطان الإسلام يكره من اليهودي الزمن المقعد الدخول إلى كنيسة ويريد منه الإسلام والدخول في المساجد ومع ذلك فإنما يقع منه دخول الكنيسة دون المسجد، ولا عاقل يقول ان سلطان الإسلام ضعف بذلك.
ثم يلزمهم أنه إذا وقع من الكافر خلاف ما أمر الله به أن يلحقه ضعف، لان الشاهد لا يفصل بين الموضعين. ولا خلاف أن الله أمر الكافر بالايمان، ومع هذا فلم يقع ذلك منه، فيجب على أصلهم أن يلحقه ضعف. فبأي شيء فصلوا بين الأمرين فهو فصلنا في الإرادة.
وأيضا فالمعلوم ضرورة أن النبي (عليه السلام) أراد من الكفار كلهم الايمان ولم يلحقه باستمرارهم على الكفر وهن ولا ضعف ويلزمهم على ذلك أن يكون الله تعالى أمرهم بأن يضعفوه ويوهنوه من حيث أمرهم بما لا يريده منهم على قولهم، وذلك باطل بالاتفاق.
وقولهم «لو فعل العبد ما كره الله تعالى لكان قد فعل ما أباه وذلك لا يجوز» باطل، لأن الإباء ليس بكراهية، لأن الإباء هو المنع والامتناع، ولهذا يتمدحون بأن يقولوا «فلان يأبى للضيم» أي يمتنع منه، ولا مدحه في أنه يكره الضيم لان الضعيف أيضا يكرهه.
وتعلقهم بأن المسلمين قالوا «ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن» وذلك يمنع من أنه أراد الإيمان من الكافر ولم يرد الكفر منه. غير صحيح لان هذا الإطلاق غير مسلم، لان جميع أهل العدل يمتنعون من إطلاقه. ثم ان المسلمين أيضا يقولون «لا مرد لأمر الله ولا محيص منه»، وعلى قولهم الكافر قد رد أمر الله، ومتى منعوا من ذلك منعنا مثله وان تأولوا أولنا.
ولو سلم ذلك لكان المعنى ما شاء الله من فعل نفسه كان وما لم يشأ من فعل
Page 53