فعل ويدعو الثاني بصرفه عن إيجاده ووجوب صارف صرفه عن إيجاده، وذلك محال. [وان كان مقدورهما متغايرا لم يمتنع أن يدعو أحدهما الداعي إلى إيجاد فعل ويدعو الآخر إلى إيجاد ضده] (1).
ثم لا يخلو أن يوجدا أو لا يوجدا أو يوجد أحدهما، فإن وجدا أدى الى اجتماع الضدين وذلك محال، وان لم يوجدا أدى الى ارتفاع الفعل عنهما لا لوجه منع معقول، وان وقع أحدهما أدى الى ارتفاع الفعل عن أحدهما لا لمنع معقول. لأنه لا يمكن أن يقال ان أحدهما أكبر مقدورا، لان كل واحد منهما يجب أن يكون مقدوراته غير متناهية.
فإذا ثبت ذلك بطل إثبات قديمين، وإذا بطل وجود قديمين بطل قول الثنوية القائلين بالنور والظلمة، وبطل قول المجوس القائلين بالله والشيطان وبطل قول النصارى القائلين بالتثليث.
على أن قول الثنوية يبطل من حيث دللنا على حدوث الأجسام، والنور والظلمة جسمان، ولأنهما أثبتوهما من حيث اعتقدوا أن الخير يضاد الشر، ولا يجوز أن يصدرا من فاعل واحد. وذلك باطل، من حيث ان الخير من جنس الشر، لأن أخذ مال الغير غصبا هو ظلم وشر وأخذه قضاءا لدين حسن وعدل وهما من جنس واحد، ولطمة اليتيم ظلما شر ولطمته تأديبا حسن، ولو كانا ضدين لجاز أن يصدرا من فاعل واحد، لان القادر يقدر على الشيء وعلى جنس ضده، وهذا بعينه هو شبهة المجوس، والكلام عليهم واحد.
على أن قولهم أجمع يبطل المدح والذم، لان المطبوع لا يستحق مدحا ولا ذما، كالنار في الإحراق والثلج في التبريد. ويؤدي الى قبح الاعتذار لان الاعتذار حسن لا يقع عندهم من الظلمة وما يعتذر منه قبيح لا يقع عندهم
Page 45