ألا ترى أن قوله تعالى واستفزز من استطعت منهم بصوتك (1) وقوله تعالى اعملوا ما شئتم (2) بصورة الأمر والمراد به التهديد، وقوله تعالى «فأتوا بسورة من مثله» (3) صورته صورة الأمر والمراد به التحدي، وقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا (4) المراد به الإباحة. ونظائر ذلك كثيرة جدا، فلا يمكن مع ذلك أن يكون آمرا لجنسه ولا لصيغته ولا لحدوثه، لان جميع ذلك يوجد فيما ليس بأمر، فلم يبق الا أنه يكون آمرا لإرادة المأمور به. والكلام في النهي والخبر مثل ذلك.
وأيضا فقد ثبت أنه تعالى خلق الخلق ولا بد أن يكون له فيه غرض، لأنه ان لم يكن له فيه غرض كان عبثا، وذلك لا يجوز عليه. ولا يجوز أن يكون خلقهم لنفع نفسه، لان ذلك لا يجوز عليه، لأنا سنبين استحالة المنافع عليه.
فلم يبق الا أنه خلق الخلق لمنافعهم، ومعناه أنه أراد نفعهم بذلك، فثبت بذلك أنه مريد.
ويجب أن يكون تعالى قديما موجودا في الأزل، لأنه لو كان محدثا لاحتاج الى محدث، والكلام في محدثه كالكلام فيه، فكان يؤدي الى محدثين ومحدثي المحدثين الى ما لا نهاية له، وذلك فاسد.
وأيضا فإنه فاعل الأجسام والاعراض المخصوصة من الألوان والطعوم وغيرهما، والمحدث لا يصح منه فعل الجسم ولا هذه الأعراض المخصوصة، فوجب أن يكون من صحت فيه قديما. وانما كان كذلك لان المحدث لا يكون
Page 31