Insanawiyya Muqaddima Qasira
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ثمة الكثير من مثل هذه الحجج، وسأعرض هنا لحجتين من أشهر الحجج المؤيدة لوجود الإله، وسأشير إلى نقاط الضعف التي يراها نقادها من الإنسانويين. سأبدأ بمثال على الحجة الكونية، ثم سأنتقل إلى بعض صور برهان التصميم، وفي ذلك مثالان معاصران يستند أولهما إلى التعقيد غير القابل للاختزال والثاني إلى التصميم الدقيق. وهدفي هنا هو مجرد عرض لإطلالة موجزة على بعض المشاكل والاعتراضات التي تواجه مثل تلك الحجج في المعتاد. (1) الحجة الكونية: لم توجد أشياء من الأساس؟
نظر أغلبنا في وقت ما إلى السماء المرصعة بالنجوم وخطر له السؤال التالي: «من أين أتى كل هذا؟ لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» هذا سؤال عميق؛ سؤال جدير بدراسة جدية.
بالطبع، وضع العلماء نظريات حول كيفية نشأة الكون، وحاليا يعتقد أغلب العلماء أن الكون بدأ منذ 13 أو 14 مليار سنة تقريبا بالانفجار العظيم؛ ذاك الحدث الذي لم تبدأ معه المادة والطاقة فحسب، وإنما الزمان والمكان أيضا.
إلا أن تلك الإجابات العلمية يبدو أنها تؤجل اللغز فحسب ولا تجيب عنه؛ فنحن نريد الآن أن نعلم: لم كان هناك انفجار عظيم؟ لم كانت هناك - وما زالت توجد - أشياء من الأساس؟
وعند هذه النقطة يبدو أننا نواجه سؤالا لا يستطيع العلم، بالضرورة، أن يجيب عنه؛ فالعلم يفسر الظواهر الطبيعية بالإشارة إلى سمات أخرى من العالم الطبيعي، مثل الأسباب المادية أو قوانين الطبيعة. على سبيل المثال، إذا سألت عالما: لم تجمدت المياه الليلة الماضية بالأنابيب؟ فربما يجيبك بما يلي؛ أولا: من قوانين الطبيعة أن الماء يتجمد تحت درجة صفر مئوي، وثانيا: الليلة الماضية انخفضت درجة حرارة الماء بالأنابيب لتحت الصفر. وهذا سيفسر لك لم تجمد الماء. لكن ما الذي يفسر سبب وجود أي قوانين للطبيعة في المقام الأول؟ بل ما الذي يفسر سبب وجود عالم طبيعي من الأساس؟
بالطبع عند هذه النقطة من المفترض أن يدخل الإله في الصورة. لا يستطيع العلم تفسير سبب وجود الكون؛ لذا، إن لم نفترض أن وجوده حقيقة عمياء لا يمكن تفسيرها، يجب أن نتجه إلى الإله بوصفه الحل لتلك المعضلة. فالإله يقدم التفسير الوحيد، أو أفضل تفسير متاح على الأقل، للسبب وراء وجود أشياء من الأساس.
وفي حين يقر كثير من المؤلهين بأن الحجة السابقة لا تشكل دليلا حاسما على وجود إله، يعتقد كثير منهم أن مثل هذه الحجج «الكونية» - الحجج التي تستدل على وجود الإله بوصفه أفضل تفسير أو التفسير الوحيد لوجود الكون - تمنح معتقدهم على الأقل قدرا كبيرا من الدعم العقلاني. (2) مشاكل الحجة الكونية
الحجة الكونية الموضحة ملامحها أعلاه تواجه عدة مشاكل معروفة جيدا، سأشرح الخطوط العريضة لثلاث منها فحسب:
أولا، تفترض الحجة أن السؤال: «لم توجد أشياء بدلا من العدم؟» سؤال منطقي، لكن هل هو سؤال منطقي؟ بإلقاء نظرة أعمق على الأمر فإن الأمر ليس بهذا الوضوح. لكن إن كان السؤال غير منطقي فهو لا يحتاج لأي إجابة، فضلا عن احتياجه لإجابة دينية. فيما يلي خط التفكير الذي يخلص إلى أن هذا السؤال لا معنى له في واقع الأمر.
عندما نتحدث عادة عن وجود «عدم»، فإننا نقصد مثلا وجود مساحة خالية من الفراغ؛ فعندما أقول: «لا يوجد شيء في فنجاني»، أقصد بذلك أن المساحة الموجودة داخل فنجاني الآن فارغة. وعندما أقول: «لا شيء أقوم به الآن»، أقصد بذلك أنني في هذه اللحظة لا أؤدي أي نشاط. ويقدم الكون الزمكاني، إن جاز التعبير، الساحة التي قد تظهر عليها تلك الأمثلة من الأشياء والعدم.
Unknown page