Inqilab Cuthmani
الانقلاب العثماني وتركيا الفتاة: أصدق تاريخ لأعظم انقلاب
Genres
كانت الحال على ما ذكر مدة الخلفاء الراشدين، ومن اقتفى أثرهم كعمر بن عبد العزيز من بني أمية، ثم تغلب الاستبداد الآسيوي على أحكام الدين الإسلامي، وانقلبت الخلافة إلى سلطنة، وأصبح خليفة الإسلام - مقدسا وغير مسئول - كملوك الإفرنج ليومنا هذا؛ لا يقتص منهم، ولا يؤخذون بالأموال، ولا تستطيع المحاكم إحضارهم ولا إصدار الحكم عليهم، ويرثون الملك كما يرث أحدنا مال أبيه، فاستبدوا بالأمر استبداد لويس الرابع عشر الذي كان يقول: «الدولة هي أنا» و«أموال الرعية إنما هي ملك لملكها، فإذا أخذ شيئا منها فقد أخذ حقه!» واستباحوا التصرف في نفوس الرعية وأموالهم وأعراضهم، وفي خزائن الدولة وبيت المال وأوقاف المساجد والمؤسسات الخيرية، وصار الوزراء والمصاحبون يقولون: «خسرو بكند شيرينست»؛ أي ما أعجب كسرى فهو حسن، فالحسن هو ما استحسنه السلطان والقبيح ما استقبحه السلطان، ولا دخل في ذلك للعقل والذوق، ولا للحكمة والشرع؛ لأنهم أولوا الشرع على حسب غاياتهم وأغراضهم.
فإذا تصفحت تواريخ الأمم الإسلامية في الشرق والغرب تراها مؤسسة على هذا الاستبداد الآسيوي، وعلى جانب من الاستعباد الأفريقي، وليس فيها شيء من الحرية الإسلامية، ولا المشورة المأمور بها في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما قال الله لنبيه:
ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين (آل عمران، آية: 159)، وقوله تعالى:
وأمرهم شورى بينهم (الشورى، الآية: 38)، وحديث: «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، وأمثاله كثيرة؛ كحديث حلف الفضول المشهور في التواريخ، وذلك أن قبائل من قريش تداعت إلى حلف الفضول الذي عقدته قديما قبائل العرب، واشتهر باسم رؤسائهم: الفضيل والمفضل، فاجتمعت وجوه قريش في دار عبد الله بن جدعان، ونسبه، فتحالفوا وتعاقدوا: ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو من غيرها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وكان ذلك قبل الإسلام، قال النبي
صلى الله عليه وسلم : «لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» فأي شيء أشبه بهذا الاجتماع والتعاقد من البرلمان والمبعوثين؟ لا بل من جمعية الاتحاد والترقي؟ ولقد أحسن جدا العلامة المقري في جوابه المذكور في «نفح الطيب» حيث قال:
سألني بعض الفقهاء عن السبب في سوء بخت المسلمين في ملوكهم إذ لم يل أمرهم من يسلك بهم الجادة، ويحملهم على الواضحة، بل من يغتر في مصلحة دنياه، غافلا من عاقبة أخراه، فلا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يراعي عهدا ولا حرمة!
فأجبته: بأن ذلك لأن الملك ليس في شريعتنا، وذلك أنه كان فيمن قبلنا شرعا، قال الله تعالى ممتنا على بني إسرائيل:
وجعلكم ملوكا (المائدة، الآية: 20) ولم يكن ذلك في هذه الأمة، بل جعل لهم خلافة، قال الله تعالى:
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض ، (النور، الآية: 55) وقال تعالى:
وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا (البقرة، الآية: 247)، وقال سليمان:
Unknown page