Imbaraturiyya Islamiyya
الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة
Genres
الأماكن المقدسة لماذا لم تحتفظ ببساطتها
(1) بساطة الأماكن المقدسة
سبق أن أشرت إلى أن الفكرة التي أوحت بإقامة الأماكن المقدسة تستمد وجودها من الأديان السماوية الثلاثة التي نزلت بهذا الشرق الأوسط: اليهودية، والمسيحية، والإسلام، وأن مصدر هذه الفكرة هو الالتجاء الروحي إلى مكان بذاته، يعتبر في نظر الذين يحجونه موئلا لأرواحهم، وملاذا لقلوبهم المتعطشة إلى التطهر، ترجوه حيثما تكون من بقاع الأرض، ثم لا تطمئن إلى أنها أدركت حظها منه حتى تحج هذا المكان.
فإذا أتم هؤلاء حجهم آمنوا بأن الله قبل توبتهم، وحط عنهم أوزارهم وذنوبهم ، لقاء ما توجهوا إليه منيبين مخلصين، وما سعت نفوسهم حين الحج إلى ذرى المعاني الروحية.
والواقع أن الصادقين في حجهم، من أهل هذه الأديان، يخالج وجدانهم حين الحج شعور فياض بمعان تسمو كل السمو على ما ألفوا فيما سبق من حياتهم.
هذه المعاني تختلف باختلاف منازع الناس، ومبلغ ثقافتهم، وألوان تفكيرهم، تختلف عند الرجل الساذج عنها عند الرجل الذي ألف التفكير، ثم شعر كما شعر ذلك الساذج، بمكان الحج يدعوه إليه ليطهر عنده، لكنها عند الرجلين سمو بالنفس إلى ما فوق نفسها، وحرص على الاتصال بالملأ الأعلى من ملكوت الله، ورجاء في وجهه الأكرم أن ييسر هذا الاتصال، لنكون في غدنا خيرا مما كنا في أمسنا، فنبلغ بذلك مكان النفس المطمئنة، ترجع إلى ربها راضية مرضية، تدخل في عباده وتدخل جنته.
وقد رأينا كيف كانت هذه الأماكن أول أمرها بسيطة كل البساطة، وكيف تطور أمرها على تعاقب القرون، فبلغت من الفخامة والمهابة والجلال أعظم مبلغ.
وهذه ظاهرة نراها في الأماكن المقدسة في أنحاء الأرض جميعا، بل نراها ظاهرة في أماكن العبادة كلها في الأديان المختلفة، تبدأ هذه الأماكن بسيطة، ثم تتدرج شيئا فشيئا إلى الفخامة، وذلك أمرها بنوع خاص حين تقام ذكرا لأمر تاريخي جسيم الخطر.
ما سبب هذا؟
لم لا يحتفظ الناس لهذه الأماكن المقدسة ببساطتها الأولى لينعموا بما للبساطة من روعة ومهابة؟
Unknown page