الإجماع تصنيف الإمام ابن المنذر ﵀ وثق نصوصه وعلَّق عليه أبوعبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري الطبعة الأولى حقوق الطبع محفوظة لدار الآثار-القاهرة

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم الْمُقدمة إن الْحَمد لله نَحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمَّدًا عبده ورسوله. ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢] ﴿يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١]. ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١]. أما بعد: فإن خير الحديث كلام الله وأحسن الهدي هدي محمد؛ وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد؛ فإن كتاب "الإجماع" لابن المنذر هو واحد من سلسلة مؤلفاتٍ له اعتنى فيها عناية فائقة بمسائل الاختلاف والاتفاق؛ حَتَّى صارت كتبه في هذا الباب مرجعًا أساسيًا لكل من أتى بعده، بِها يعرف مواطن الاختلاف والاتفاق بين الأئمة في المسائل الفقهية.

1 / 5

وهذه السلسلة تتضمن الكتب التالية (١): ١ - كتاب السنن والإجماع والاختلاف: وكتاب مبسوط حافل، روى فيه كل ما وصله من أحاديث وآثار في الباب بأسانيده. ٢ - مختصر كتاب السنن والإجماع والاختلاف. ٣ - اختلاف العلماء، وتوجد نسخ منه في دار الكتب المصرية. ٤ - المبسوط. ٥ - الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، وهو مختصر كتاب المبسوط. ٦ - الإشراف على مذاهب العلماء، وهو مختصر كتاب الأوسط. ٧ - الإقناع. ٨ - الإجماع. والإجماع هو أصغر هذه الكتب حجمًا؛ وهو من أشهر كتب الإجماع على الإطلاق خاصةً عند طلبة العلم المبتدئين، حيث إنه سهل المأخذ موجز العبارة. وأما عن الكتب التي أُفردت لنقل الإجماع في المسائل الفقهية، فهي: ١ - نوادر الفقهاء لمحمد بن الحسن التميمي (ت ٣٥٠ هـ). ٢ - مراتب الإجماع لابن حزم (٢) (ت ٤٥٦ هـ). ٣ - الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان (ت ٦٢٨ هـ). ٤ - الإجماع لابن عبد البر (جمعه: فؤاد الشهلوب وعبد الوهاب الشهري). ٥ - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية (جمع: عبد الله بن المبارك البوهي). ٦ - البرق اللماع لما في المغني من اتفاق وافتراق وإجماع (جمع: عبد الله بن عمر _________ (١) انظر مقدمة كتاب "الأوسط في السنن" للدكتور أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف (١/ ٣٦، ٢٢). (٢) وقد نقد بعض مسائله: شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كتاب "نقد مراتب الإجماع".

1 / 6

البارودي). ٧ - موسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي لسعدي أبو جيب (١). ٨ - كتاب "الإشراف على مذاهب الأشراف" للوزير ابن هُبَيْرة الحنبلي، وقد نشرته دار الحرمين بالقاهرة تحت عنوان: "الفقه على مذاهب الأئمة الأربعة"؛ وهو قطعة من كتابه الكبير "الإفصاح عن معاني الصحاح" الذي شرح فيه الصحيحين (٢). هذا بِخلاف كتب الاختلاف والمطولات التي اعتنت أيضًا بنقل الإجماع مثل: كتب ابن المنذر-التي سبق الإشارة إليها-، "اختلاف العلماء" لمحمد بن نصر المروزي، "الاستذكار" و"التمهيد" لابن عبد البر، "اختلاف الفقهاء" لابن جرير الطبري، "المحلى" لابن حزم، "المغني" لابن قدامة، "شرح معاني الآثار" للطحاوي، "بداية المجتهد" لابن رشد، "المجموع" للنووي، "فتح الباري" للحافظ ابن حجر، "نيل الأوطار" للشوكاني. ومن الكتب التي نُقِلت غالب نصوص كتاب الإجماع من خلالها: المغني لابن قدامة، والإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان. قلت: وهنا أمر هام ينبغي التفطن له، وهو أن المسائل التي اتفق عليها الأئمة المجتهدون من أهل السنة والجماعة كثيرة؛ ولكن تشغيب أهل الأهواء والمتعصبين من المذهبيين والحزبيين من الفرق المناهضة لأهل السنة هم الذين يظهرون علماء هذه الأمة بمظهر المتصارعين المختلفين على الكبيرة والصغيرة؛ فإذا طرحنا خلاف هؤلاء، ظهر لنا أن الاختلاف ليس هو الغالب على أهل الحق كما يظن البعض. لذلك فإن أهل الأهواء المتعصبين -خاصة الدعاة منهم- لا عبرة بخلافهم لا في _________ (١) وثَمَّ كتب أخرى أُلفت في الإجماع بعضها قد يكون في حيز المفقود، قد أشار إليها أصحاب كتب الفهارس؛ مثل كتاب "تشنيف الأسماع بمسائل الإجماع" للسيوطي، ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (١/ ٤٠٩)، وكتاب "الإجماع في الفقه" لأبي الحسن الدقيقي الحلواني الطبري، ذكره ابن نديم في الفهرست (ص ٣٢٧). (٢) انظر الذيل على طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب (١/ ٢٥٢).

1 / 7

الأصول ولا في الفروع، فقد يُخالف صاحب هوى في مسألة من مسائل العبادات أو المعاملات، ويكون قد بنى خلافه على هوى وتعصب مذهبي لا عن اجتهاد في معرفة الحق بدليله؛ فمثل هذا الصنف لا ينبغي أن يُعتبر بِخلافه أو أن يُحسب خلافه مناقضًا لاتفاق أهل السنة، أو لإجماعهم على مسألة فقهية في العبادات أو المعاملات. قال العلامة المحدث مقبل بن هادي ﵀ في نصيحته لأهل السنة (ص ١٣): "وبعد: فإنَّا قد نظرنا في المسائل التي يختلف فيها أهل السنة المعاصرون الذين لا يختلفون عن هوى، فوجدناها تقارب ثلاثين مسألة ووزعناها على إخواننا أهل السنة يذكرون -إن شاء الله- الأحاديث بأسانيدها، وينظرون في أقوال الشرَّاح في فهم هذه الأحاديث، وإن احتيج إلى نظر في كتب الفقهاء ﵏ نُظر فيها، وبعد الانتهاء -إن شاء الله- سينشر في رسالة صغيرة".اهـ قلت: واعلم -رحمك الله- أن قاعدة: "نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه" (١)، هي قاعدة باطلة، المقصود بها ليس العمل على اجتماع أهل الإسلام لكن المقصود بِها هو تمييع الحق والانصياع للأهواء بحجة الاتفاق؛ فهي دعوة لتمييع الخلاف بين أهل السنة وغيرها من طوائف الضلال من شيعة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وغيرها. فالزم -رعاك الله- غرز السلف الصالِح، ولا تعزب عن فهمهم مثقال ذرة، فإن السلف هم القوم، فلا تعدو عيناك عنهم تريدُ كلام أهل الأهواء المزين ببهرج القول، فالثبات! الثبات! على سبيل السلف؛ وإياك! ثم إياك! أن تخرج على إجماعهم في صغير أو كبير؛ فإن السلف الصالح لا يجتمعون على ضلالة أبدًا؛ سواء كان في مسألة تتعلق بأصول الدين أو في مسألة فقهية - مثل جواز المسح على الخفين -، ونحوها من _________ (١) وضع هذه القاعدة محمد رشيد رضا ثم شهرها حسن البنا؛ ثم طورها إبراهيم أبو شقرة، فزاد عليها: "ونتحاور فيما اختلفنا فيه".

1 / 8