167

علق تافرنيك قائلا: «يوجد ضوء في الغرفة بالطابق الأرضي. وهناك شخص ما يتحدث هناك الآن ... يمكنني سماع أصوات.»

أغلق الرجل الباب في وجهه. لبعض الوقت، تجول تافرنيك بلا كلل، وشرع أخيرا على مضض في العودة إلى المنزل. كان قد وصل إلى شارع ستراند وكان يعبر ميدان ترافالجار عندما خطرت بباله فكرة مفاجئة. وقف ساكنا لحظة في منتصف الشارع. ثم استدار فجأة. وفي أقل من خمس دقائق كان في شارع أديلفي تيريس مرة أخرى.

الفصل التاسع عشر

تورط تافرنيك

شعر تافرنيك بمشاعر رجل أفاق فجأة عندما عاد مرة أخرى إلى أديلفي تيريس. انتظر حتى لم ير أحدا، ثم فتح باب المنزل الخالي بالمفتاح الذي احتفظ به، وأوصده بحذر. أشعل عود ثقاب وأنصت باهتمام عدة دقائق؛ لا صوت من أي مكان. تحرك بضع ياردات إلى أسفل السلم، وأنصت مرة أخرى؛ لا يزال الصمت يخيم على المكان. أدار مقبض شقة الطابق الأرضي وبدأ البحث من جديد. غرفة تلو الأخرى كان يفحصها على ضوء أعواد الثقاب المتضائلة بسرعة. هذه المرة قصد ألا يترك وراءه أي احتمال لارتكاب أي خطأ. حتى إنه قاس عمق الجدران بحثا عن أي مكان سري للاختباء. كان يمر من غرفة إلى أخرى، على مهل، دائما في حالة تأهب وإنصات. وفي إحدى المرات، عندما فتح بابا في الطابق الثالث، كان هناك صوت منخفض كما لو كان صوت احتكاك تنورة بالأرض. أشعل عود ثقاب بسرعة، ليجد فأرا كبيرا جالسا منتصبا وينظر إليه بعيون سوداء. كان هذا هو العلامة الوحيدة على الحياة في المبنى بأكمله.

عندما انتهى من البحث، نزل إلى الطابق الأرضي ودخل الغرفة المقابلة للغرفة التي سمع منها أصواتا في المنزل المجاور. جثم هنا على الألواح المتربة بعض الوقت، منصتا. بين الحين والآخر تخيل أنه لا يزال بإمكانه سماع الأصوات على الجانب الآخر من الجدار، لكنه لم يكن متأكدا تماما.

أخيرا قام ليمدد جسمه، وبينما يفعل ذلك جذب انتباهه صوت جديد من الخارج. دخلت سيارة إلى أديلفي تيريس. مشى إلى النافذة غير المغطاة بالستائر ووقف هناك، واثقا من أنه هو نفسه غير مرئي. ثم قفز قلبه من بين ضلوعه. على الرغم من أنه كان شخصا غير عاطفي، فقد كان هذا الحدث قادرا على أن يثير حماس شخص أكثر برودا. توقفت سيارة كان يتذكرها جيدا، على الرغم من أن رجلا يرتدي بذلة داكنة يقودها الآن، توقفت عند المنزل التالي. ونزلت امرأة ورجلان. لم ينظر تافرنيك مطلقا إلى الرجلين؛ كانت عيناه معلقتين على رفيقتهما. كانت ملفوفة في عباءة طويلة، لكنها رفعت تنورتها وهي تعبر الرصيف، ورأى وميض أبازيمها الفضية. كانت عربتها وهيئتها لا التباس فيهما. كانت إليزابيث هي من تقوم بهذه الزيارة الصباحية المبكرة للمنزل المجاور! بالفعل اختفت الزمرة الصغيرة. حتى إنهم لم يقرعوا الجرس. لا بد أن الباب قد فتح بصمت عند قدومهم. وانطلقت السيارة في هدوء. مرة أخرى، أصبح الشارع مهجورا.

تأكد تافرنيك من أنه يعرف الآن الحل ... كان هناك طريق من هذا المنزل إلى المنزل التالي. أشعل عود ثقاب آخر، ووقف على بعد عدة ياردات، ونظر بعين فاحصة إلى الجدار الفاصل. في الأيام الماضية كان من الواضح أن هذا كان مسكنا ذا أهمية، مزينا بشكل متقن، حيث لا تزال الأعمال الجصية على السقف تدل على ذلك. كان الجدار مقسما إلى ثلاث لوحات، مكسوة لأعلى بالألواح الخشبية. فحصها بوصة تلو الأخرى من البداية إلى النهاية، وبدأ من الخلف وجاء نحو الأمام. توقف عند نحو ثلاثة أرباع المسافة. كان الأمر بسيطا جدا، رغم كل شيء. توقف فجأة الجدار الصلب مسافة قدمين، وأكمل التصميم برقعة من القماش المشدود، الذي انثنى بسهولة تحت إصبعه. أسند أذنه عليه؛ يمكنه الآن سماع الأصوات بوضوح ... حتى إنه سمع ضحكات المرأة. إلى ارتفاع نحو أربع أقدام، أزيل الجدار الصلب. أحدث ثقبا صغيرا في القماش ... كان لا يزال هناك ظلام. وسع الثقب حتى يتمكن من دفع يده من خلاله ... لم يكن هناك سوى قماش على الجانب الآخر. أدرك الآن أين هو. لم يكن هناك سوى سماكة هذا القماش بينه وبين الغرفة. لم يكن عليه سوى إحداث ثقب صغير فيه وسيكون قادرا على الرؤية من خلاله. حتى الآن، بعد إزالة الحاجز من جانبه، كانت أصواتهم أكثر وضوحا. من الواضح أن جزءا كاملا من الجدار قد أزيل واستبدل به إطار من الخشب قابل للفصل، مغطى بقماش مشدود. وقف لحظة وتحسس بإصبعه؛ يمكنه تقريبا تتبع المكان الذي ركب الخشب فيه على المفصلات. ثم جثا على يديه وركبتيه مرة أخرى، وتوقف لينصت وفي يده مديته الخاصة. استطاع أن يسمع صوت كريس يتحدث ... صوته الأخنف الممطوط. ثم سمع صوت بريتشارد، تبعه ما بدا أنه تأوه. وساد الصمت، ثم بدا أن إليزابيث تطرح سؤالا. سمع ضحكتها الخافتة وأثار شيء فيها الرعشة في جسده بأكمله. كان بريتشارد يتحدث بقوة الآن. ثم، في منتصف جملته، ساد الصمت مرة أخرى، تلاه تأوه آخر. كاد يشعر أن الناس في تلك الغرفة يحبسون أنفاسهم.

سرعان ما نسي تافرنيك أمر الحذر. كان سن مديته يخترق القماش. وصنع ببطء تجويفا دائريا في حجم نصف شلن. أدخل رأسه وكتفيه بمعاناة شديدة ونظر لأول مرة عبر التجويف الصغير إلى داخل الغرفة. كان بريتشارد جالسا في منتصف الغرفة تقريبا؛ بدا أن ذراعيه مربوطتان بالكرسي ورجليه مقيدتان إحداهما بالأخرى. على بعد أمتار قليلة، كانت إليزابيث، قد وضعت معطفها الفرو جانبا، وجلست مسترخية على مقعد مريح، وكان فستانها يتلألأ بالترتر، وعيناها تشعان ببريق غريب، وقد انفرجت شفتاها عن ابتسامة قاسية. وكان بجانبها ... جالسا، في الواقع، على ذراع مقعدها ... كريس، وكان وجهه الطويل الشاحب ربما أكثر شحوبا من المعتاد؛ وشفتاه تنفرجان عن ابتسامة ساخرة مستمتعة. وكان الميجور بوست موجودا، مرتديا ملابسه بعناية كما لو كان يحضر أحد التجمعات الاجتماعية، ويقف على سجادة المدفأة وقد وضع ذيل معطفه تحت ذراعيه. وقد وقف البروفيسور، الذي ارتسم على وجهه أبشع أنواع الرعب، يتحدث. أصبح بإمكان تافرنيك الآن سماع كل كلمة بوضوح. «عزيزتي إليزابيث! عزيزي كريس! كلاكما متسرع جدا! أقول لكما إنني معترض ... أنا معترض بشدة. أنا متأكد من أن السيد بريتشارد، بقليل من الإقناع، سوف يستمع إلى صوت العقل. لن أكون طرفا في أي تصرف من هذا القبيل. هل تفهم يا كريس؟ لقد تجاوزنا الحدود بما فيه الكفاية. أنا لن أقبل هذا.»

ضحكت إليزابيث بنعومة.

Unknown page