253

Ifriqiya

أفريقيا: دراسة لمقومات القارة

Genres

ولا شك في أن عددا من العوامل التي كانت تؤدي إلى قلة الزيادة السكانية في أفريقيا خلال النصف الأول من هذا القرن، قد زالت أو كادت تزول، فإلى جانب انتهاء الأثر التخريبي الذي أحدثه الرق طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن العوامل التي أعاقت النمو السكاني الأفريقي السريع كانت عديدة خلال أواخر القرن التاسع عشر ومعظم النصف الأول من هذا القرن. وأهم هذه العوامل هي: (1)

الحروب والنزاعات القبلية، وهذه قضى عليها الاستعمار الأوروبي طوال فترة تثبيت أقدامه التي امتدت إلى حوالي بداية الحرب العالمية الأولى. (2)

التوسع الاستعماري لمختلف الدول من شواطئ القارة إلى داخليتها، صحبه أنواع عديدة من القمع العنيف لكافة المجتمعات التي قاومت التوسع الاستعماري داخل أراضيها، وقد تراوح القمع بين حروب فعلية وحملات تأديبية واضطهاد ومصادرة لمصادر حياة المتمردين على السلطة الاستعمارية، ومن بين الحروب الاستعمارية الطويلة الحرب الإسبانية ضد إقليم الريف (شمال المغرب حاليا) والحرب الإيطالية ضد الليبيين، والحروب الإنجليزية ضد إمبراطورية الفولاني في شمال نيجيريا، وضد مملكة الأشانتي في وسط غانا، وحروب البوير ضد الزولو وغيرهم من قبائل البانتو في جنوب أفريقيا، وغيرها كثير في أنجولا (البرتغال)، وزائيري (الكنغو البلجيكي سابقا)، وتنجانيقا (ألمانيا)، وقد أدت هذه الحروب والحملات التأديبية إلى قتل وتشريد وتجويع ونقل عدد كبير من السكان، مما أدى إلى إعاقة النمو السكاني لفترة طويلة، وقد استمرت هذه العمليات حتى نهاية الربع الأول من هذا القرن.

شكل (39): نمط معامل الزيادة السكانية في الأربعين سنة الماضية. (3)

العمل الإجباري والسخرة التي أسس بهما الاستعمار الأوروبي قواعد استغلال الثروات الطبيعية الأفريقية في المناجم، وجمع المطاط الطبيعي، وأشكال أخرى من الثروة النباتية الطبيعية والزراعية وشق الطرق، وقد أدى تجنيد العمال لمثل هذه الأعمال إلى اختلال في التركيب الأسري السلفي، وظهور حياة العزوبة بين الرجال في معسكرات العمل المختلفة بصورة مؤقتة أو دائمة، وقد أدى ذلك إما إلى تأخير سن الزواج كثيرا، أو عدم الزواج والالتجاء إلى البغايا الذين ظهروا كعنصر مكمل لحياة المعسكرات أو المدن الغريبة عن التركيب الاجتماعي الأفريقي السلفي، ولا شك أن نتيجة هذا قلة واضحة في النمو السكاني. (4)

أدت حياة المدن والعمالة الأجيرة، وظهور فكرة النقود والاحتكاك الثقافي والحضاري المادي والسطحي مع الحضارة الأوروبية الصناعية، إلى ظهور عدد كبير من المشكلات والأمراض الاجتماعية، على رأسها الأمراض التناسلية، والإسراف في تعاطي الخمور، والأنفلونزا والسل، وتفكك الأسرة، وتداخل غير متناسق لأفكار وممارسات اجتماعية وجنسية أوروبية على خلفية من التقاليد والممارسات السلفية، ونتيجة هذا بطبيعة الحال قلة واضحة في المواليد. (5)

وإلى جانب الأمراض الأفريقية المتوطنة، فإن حياة المدن ومعسكرات التعدين والعمل الإجباري، قد أدخل عنصرا جديدا أدى إلى مزيد من التدهور الصحي نتيجة انخفاض أعمال الصحة العامة كالمجارير، وتكدس الناس في مساحات سكنية شديدة الضيق بالقياس إلى أنواع المساكن القديمة. (6)

قلة الأجور وتدني مستوى الغذاء وعدم تنوعه وقلة أنواع منه كاللحوم أو أنواع من الحبوب، قد ساعدت على تدهور الأوضاع الصحية العامة، وأدى إلى نسبة مرتفعة من الوفيات بين الأطفال والبالغين على حد سواء. ويقول بعض الخبراء إن هذا الضعف العام في بناء الجسم والأحوال الصحية السكنية العامة، وشيوع أمراض تناسلية لا تؤهل السكان إلى زيادة طبيعية عالية، بل وتؤدي إلى حالات كثيرة من الإجهاض في أشهر الحمل نتيجة ضعف الأمهات. كما يقول بعض الخبراء إن نقص فيتامين «ه

E » الذي يساعد على الخصوبة والموجود في الحبوب والأسماك، ربما كان من أسباب قلة مواليد الزنوج في أفريقيا المدارية.

1

Unknown page