بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
يقول العبد المستغفر الفقير المسكين، المستمسك بعروة الله الوثقى، وحبله المتين، أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي، وفقه الله، وخار له، وأنجح قصده وأمله.
الحمد لله الذي أعلى دين الهدى والحق على كل الدين، الحكم العدل العلي المبين، والصلاة والسلام الأكملان على سيدنا ومولانا محمد النبي المهيمن الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأمة وكافة الخلق أجمعين، وعلى آله وأزواجه، وذريته المقربين الأكرمين، وأصحابه وحزبه وعترته وعشيرته الأقربين صلاةً وسلامًا نجدهما يوم الدين.
وبعد:
فإنك سألتني أيها الفاضل الشريف، الرفيع القدر الأعلى المُنيف، وصل الله سعدك ويمّن قصدك، وحرس كنفك، وأعز الأثيل شرفك وأجمل بمنِّه صونك وأحسن على ملازمته من التحصيل عوني وعونك، أن أجمع لك تلخيصًا مهذب الفصول، مُحكم المباني والأصول، يسهل عليك أمره ويخف على الأسماع والقلوب ذكره، فكلفتني من ذلك عقبة، لا يقطعها
1 / 55
بازل، فكيف بمن كان عن سنّه نازل، وإذ صادفت الوقت في تساقم بال، وتمانع أحوال، وتعذر آمال، وملازمة أفكار، وتوفر أنكاد، تُذهب الرأي السديد، أو تكاد، إلى الله منها الشكوى، والمفزع، فعساه يجيب الدعاء ويسمع، (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) إذا استدعاه، لا إله إلا هو ربي، عليه توكلت، وهو حسبي.
لكن المسارعة إلى مرضاة شرفك، الواضح الجبين، من الحق الواجب المتحتم المبين.
فجمعتُ لك في هذا النَّزر الذي سمح به الفكر الموزَّع، والقلب الكسير المجزَّع، مُعتمدًا في قبوله وملاحظته بعين الرضى والإغضاء، وسلوك السنن الأجمل الأرضي، على جميل أوصافك، وحسن إنصافك. وسمَّيته بإيضاح المسالك، إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك.
ومن الله أسأل المثوبة عليه، والتوفيق للأعمال الصالحة التي تُقرِّب إليه، وهو المسؤول أن يجعلنا ممن أحبَّ في ذاته وودَّ، وعقد على المصافاة في مرضاته وشدَّ، وسعى في كون صلته طاعة لله وجدَّ، لا إله إلا هو السميع البصير، (فنعم المولى ونعم النصير).
قاعدة (١)
الغالب هل هو كالمحقق، أم لا
وعليه سؤر ما عادته استعمال النجاسة، ولباس الكافر وغير المصلي، ومن أدرك الصيد منفوذ المقاتل، وظن أنه المقصود، أو اشترك
1 / 56
مع معلم، وظن أن المعلم هو القاتل، ومن علَّق الطلاق بالحيض أو الحمل في التنجيز والتأخير.
قاعدة (٢)
المعدوم شرعًا، هل هو كالمعدوم حسًّا، أم لا
وعليه إذا تجاوز الرعاف الأنامل العليا، هل يُعتبر في الزائد قدر الدرهم، أو أكثر، أم لا، وإذا فقد الحاضر الماء، وقلنا ليس من أهل التيمم، وقال التونسي: يجري على حكم من لم يجد ماء ولا ترابًا، وإذا قتل مُحرم صيدًا فهو ميتة، خلافًا للشافعي، وإذا حلف ليطأنها، فوطئها حائضًا أو ليتزوجن، فتزوج تزويجًا فاسدًا، أو ليبيعنَّ العبد أو الأمة، فباعهما بيعًا فاسدًا، أو أُلفيت حاملًا، أو حلف ليأكلن هذا الطعام، ففسد، ثم أكله، أو حلف على فعل معصية، من قتل، أو شرب، ثم تجرَّأ وفعله، وغذا جار في القسم، فلا يُحاسب، ويبتدئ، واستقرأ اللخمي خلافًا، ولا يُحلل وطء الحائط، ولا يُحصن، ولا يوجب رجعة، ولا يكون فيئةً خلافًا لعبد الملك، وعليه عدم انتقال ضمان المشتري فاسدًا إلى المشتري، ولو فات المبيع بيده كوديعة عنده. وعكس هذه القاعدة.
1 / 57
قاعدة (٣)
الموجود شرعًا، هل هو كالموجود حقيقة، أم لا
وعليه إذا صلى الإمام الراتب وحده، هل لا يعيد ولا يُجمع في مسجده لتلك الصلاة، أم لا. وصرف ما في الذمة. ثالثها، المشهور إن حل أو كان حالًا جاز.
قاعدة (٤)
انقلاب الأعيان، هل له تأثير في الأحكام، أم لا
وعليه الخمر إذا تخلل، أو تحجر، ورماد الميتة والمزبلة ولبن الجلالة، وبيضها، وعرقها، وبولها، ولحمها، وعرق السكران، ولبن المرأة الشاربة، والزرع والبقول تُسقى بماء نَجِس، وعسل النحل الآكلة للعسل المنجوس، وقطرة الحمام، وهي كثيرة جدًا.
قاعدة (٥)
المخالط المغلوب، هل تنقلب عينه إلى عين الذي خالطه أو لا
تنقلب، وإنما خفي عن الحسّ فقط
وعليه الخلاف في مُخالطة النجاسة بقليل (الماء) أو بكثير الطعام
1 / 58
المائع، وبالأول قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي ﵄.
وعليه الخلاف أيضًا في اللبن المخلوط بغيره، إذا كان اللبن مغلوبًا، وغيره غالبًا.
ومذهب ابن القاسم وأبي حنيفة لغوه، وعدم انتشار الحرمة به ومذهب أشهب والشافعي اعتباره، ونشر الحرمة به.
قاعدة (٦)
العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها، أم لا
وعليه الخلاف إذا زال تغير النجاسة، وصحة النكاح بصحة الناكح في المرض قبل الفسخ، ولزوم النزول بعد الراحة، في ركوب الهدي، وإباحة الشبع أو الاقتصار على سد الرمق في المضطر لأكل الميتة، وإذا باع الشقص الذي يستشفع به، وإذا عتق العبدُ قبل أن تختار، وإذا طُلق على الزوج بجنون أو جذام، أو برص ثم برئ في العدة، وإذا شرط لزوجته إن غاب عنها أزيد من ستة أشهر فأمرها بيدها، فغاب ثمانية أشهر، فلم
1 / 59
تُقض حتى قدم، وإذا أحضر ضامن الوجه مضمونه بعد الحكم وقبل الغُرم، وإذا بتَّل في مرضه تبرُّعًا ثم صح، وإذا لم يعلم السيد بنكاح عبده حتى باعه، أو الزوج بتبرع زوجته بأكثر من الثلث، حتى تأيمت، وغير ذلك.
تنبيه:
لم يختلفوا إذا زال العيب قبل الرد ألا ردَّ، كما لم يختلفوا، إذا بطلت رائحة الطيب، أنه لا يباح بعد الإحرام، لأن حكم المنع قد ثبت فيه، والأصل استصحابه، وليس من هذا الأصل نكاح المُحرم، والموافق لنداء الجمعة، لأن المنع فيهما لنفس الإحرام والوقت، لا لأمر بأن عدمه، قاله ابن رشد.
وانظر إذا تحمل الأب بالصداق عن ابنه في مرضه وفرَّعنا على أحد قولي مالك بفساد النكاح، ثم صح الأب، هل يجري فيه من الخلاف ما في نكاح المريض إذا صح، أو لا. في ذلك نظر واضطراب.
قاعدة (٧)
الظن هل يُنقضُ بالظن، أم لا
وعليه تغير الاجتهاد في الأواني والثياب والقِيلة (والحكم) والفتوى.
1 / 60
تنبيهان:
الأول: قال ابن الحاجب في مختصر منتهى السول والأمل: لا يُنقض الحكم في الاجتهاديات، منه، ولا من غيره باتفاق، للتسلسل، فتفوت مصلحة نصب الحاكم، وفي مختصره الفقهي: فلو حكم قصدًا فظهر أن غيره أصوب فقال ابن القاسم يفسخ الأول، وقال ابن الماجشون وسحنون: لا يجوز فسخه، وصوبه الأئمة.
فتأمل ما يكون جوابًا عن معارضة نقلية.
الثاني: حكم الحاكم ينقض في أربعة أشياء:
إذا خالف الإجماع أو القواعد، أو القياس الجليَّ، أو النص الصريح.
قاعدة (٨)
الواجب الاجتهاد، أو الإصابة
وعليه الخطأ في القِيلة، ومساكين الزكاة، والكفارة، وجزاء الصيد، وفدية الأذى وخطأ الخارص، ومن ظن فراغ الإمام بعد غسل دم الرعاف فأتم مكانه، ثم أخطأ ظنه، ومن تحرى صلاة الإمام وذبحه، ثم تبين الخطأ، هل يجزيه ذبحه، أم لا.
1 / 61
تنبيه:
قيد الشيوخ الخلاف في مسألة الزكاة، فيما إذا ظهر أن آخذها غير مستحق، كالغني والعبد والكافر، بما إذا كان دافعها لهم ربها، وأما إن كان المتولي لدفعها لكل واحد من هؤلاء الإمام، فإنها تجزي، ولا غُرم عليه ولا على ربها، لأنها محل اجتهاد، واجتهاده ماضٍ نافذ.
قاعدة (٩)
الحكم بما ظاهره الصواب والحق، وباطنه خطأ وباطل
هل يُغلب حكم الظاهر على حكم الباطن، فتنفذ الأحكام
أو يغلب حكم الباطن على حكم الظاهر، فتردُ الأحكام
وعليه ما ذكره في استحقاق المدونة، في الموصى ينكشف أنه مملوك بعد نفوذ وصاياه، وحُكم بِرقه، ومن حكم بموته؛ فجاء حيًا، أو حكم بشهادة من اعتقد أنه عدل، ثم ثبت بعد الحكم أنه كان مجرمًا، هل يُنقض الحكم أم لا؟
وإذا باع القاضي سلع رجل غائب في دين قضاه لمن أثبت الدين على الغائب، فأثبت أنه قد قضى الدين، هل يأخذ سلعه بغير ثمن، أو بثمن. وسيأتي من فروع هذه القاعدة مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
* * *
قاعدة (١٠)
النسيان الطارئ، هل هو كالأصلي، أم لا
وعليه: لو رأى نجاسة في الصلاة، ثم نسيها، وإذا ذكر الموالاة، ثمَّ نسيها ومن أُمر أن يُعيد في الوقت، فنسي بعد أن ذكر.
1 / 62
قاعدة (١١)
كل مجتهد في الفروع الظنية مصيب، أو المصيب واحد لا بعينه
اختلفوا فيه. ومن ثم أجمعوا على إجزاء صلاة المالكي خلف الشافعي، وبالعكس، وإن اختلفا في مسح الرأس، وغيره من الفروع.
تنبيه:
قد تقرر مذهبًا أنه لا يجوز تقليد أحد المجتهدين للآخر، في مسألة القِبلة والأواني، وجاز ذلك في أكثر المسائل الفرعية.
قيل إن الشافعي، رحمه الله تعالى، سُئل عن هذه المسألة، فقيل له: لِمَ جاز أن يُصليَ المالكيُّ خلف الشافعي، وبالعكس وإن اختلفا في كثير من المسائل والفروع، ولم يجز لكل واحد من المجتهدين في الكعبة والأواني أن يصلي خلف المجتهد الآخر. فسكت ولم يُجب على ذلك.
وأجاب الشيخ عز الدين بن عبد السلام - رحمه الله تعالى- عن ذلك: بأن قال: الجماعة للصلاة مطلوبة للشارع، فلو قلنا بالامتناع من الائتمام خلف من يخالف في المذهب، لأدى إلى تعطيل الجماعات، إلا في حالة القلة، أو قلة الجماعات.
وإذا منعنا من ذلك في القِبلة، ونحوها، لم يَخِلَّ ذلك بالجماعة كبير خلل، لِندرة وقوع هذه المسائل، وكثرة وقوع الخلاف في مسائل الفروع. وهو جانب حسن.
1 / 63
قال القاضي أبو الدعائم سند بن عنان المصري: إنما صحت صلاة أرباب المذاهب بعضهم خلف بعض، لاعتقادهم أنهم يفعلون ما اختلفوا فيه، فالشافعي مثلًا، وإن لم يوجب إلا شعرة واحدة من مسح الرأس، فإنه يمسح المجموع، وكذلك الحنفي، وإن لم يوجب الفاتحة إلا في ركعة.
قال: ولذا قال ابن القاسم: لو علمت أن أحدًا يترك القراءة في الأخيرتين، ما صليت وراءه.
فائدة:
قال الشيخ العلامة الضابط الرحال، أبو عبد الله، محمد بن رُشيد، بضم الراء وفتح الشين المعجمة – في رحلته- وهو كتاب حسن غزير النَّفع، جليل الفوائد-: لقيت الشيخ تقي الدين، ابن دقيق العيد- أول يوم رأيته بالمدرسة الصالحية. دخلها لحاجة عرضت له فسلَّمت عليه وهو قائم. وقد حفَّ به جمع من طلاب العلم، وعُرضت عليه ورقة سُئل فيها عن البسملة في قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة، وكان السائل فيما ظننته مالكيًا، فمال الشيخ في جوابه إلى قراءتها للمالكي خروجًا من الخلاف في إبطال الصلاة بتركها، وصحتها مع قراءتها- فقلت: يا سيدي، أذكر في المسألة ما يشهد لاختياركم، فقال: وما هو؟ فقلت: ذكر أبو حفص- وأردت أن أقول- الميانشي، فغلِطت وقلت. ابن شاهين – أنه قال: صلَّيت خلف الإمام
1 / 64
أبي عبد الله المازري، فسمعته يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، ولما خلوت به قلت له: يا سيدي سمعتك تقرأ في صلاة الفريضة كذا، فقال: أو قد تفطنت لذلك، فقلت له: يا سيدي أنت اليوم إمام في مذهب مالك، ولا بد أن تخبرني فقال لي: اسمع يا عمر: قولٌ واحد في مذهب مالك أن من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في الفريضة لا تبطل صلاته، وقول واحد في مذهب الشافعي أن من لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم بطلت صلاته، فأنا أفعل ما لا تبطل به صلاتي في مذهب إمامي وتبطل بتركه في مذهب غيره، لكي أخرج من الخلاف. فتركني شيخنا – ﵁ حتى استوفيت الحكاية وهو مصغ لذلك، فلما قطعت كلامي قال: هذا حسن، إلا أن التاريخ يأبى ما ذكرت، فإن ابن شاهين لم يلق المازري، فقلت إنما أردت الميانشي فقال: الآن صح ما ذكرته. انتهى.
تنبيه:
ظاهر هذه الحكاية، يدل على أن التقليد لا يرفع الخلاف، وهو خلاف ما صرح به شهاب الدين، في قواعده، وابن عبد السلام في شرحه وذكر حافظ المغرب، القاضي أبو الفضل راشد- في بعض ما قيَّد في المسألة – قولين:
1 / 65
أحدهما: أن أحد الخصمين إذا التزم قول مالك في نفي حكم، أو إثباته، أو في نفي ضمان عن أحد الخصمين، وثبوته على الآخر- وفي الحادثة قولان-: إن تراضيهما بذلك كقول مجمع عليه، قد التزماه، وليس لأحدهما نزوع عن ذلك.
والثاني: إن الخلاف لا يرفعه من ذلك إلا الحاكم، إذا نازع أحدهما، وعزاه إلى محمد بن عمر بن لبابة.
وما للمتيطي في النكاح والسلم، وغير موضع من هذا النمط معلوم.
والقول بمراعاة الخلاف، قد عابه جماعة من الفقهاء، ومنهم اللخمي وعياض وغيرهما من المحققين، حتى قال عياض: القول بمراعاة الخلاف لا يعضده القياس.
وللشيخ المحقق أبي عبد الله بن عرفة – ﵀ في القول بمراعاة الخلاف جواب كبير، يطول بنا جلبه.
وأجاب الشيخ شهاب الدين – ﵀ – عن مسألة الشافعي، بجواب ينبني على قاعدة وهي: أن قضاء القاضي متى خالف إجماعًا
1 / 66
أو قياسًا جليًا، أو نصًا صريحًا، أو القواعد، فإنا ننقضه كما سلف تقريره. وإذا كنا لا نقر حكمًا تأكد بقضاء القاضي، فأولى ألا نقره إذا لم يتأكد، فعلى هذا، لا يجوز التقليد في حكم هو بهذه المثابة، لأنا لا نقره شرعًا، وما ليس بشرع لا يجوز التقليد فيه، فعلى هذه القاعدة، كل من اعتقدنا أنه خالف الإجماع لا يجوز تقليده، فإذا كانت القاعدة هذه، حصل الفرق باعتبارها. وبيانه بذكر أربع مسائل. تأمل تمامه في الفرق السادس والسبعين.
تنبيه:
قد نظم بعض النبلاء المواضع الأربعة، التي ينقض فيها حكم الحاكم قال: (بسيط)
إذا قضى حاكم يومًا بأربعة ... فالحكم منتقض من بعد إبرام
خلاف نص، وإجماع وقاعدة ... ثم قياس جليّ، دون إبهام
قاعدة (١٢)
العصيان هل ينافي الترخيص، أم لا
وعليه (تيمم) العاصي بسفره، وقصره وفِطره، وتناوله الميتة، ومسح المحرم العاصي بلِبسه.
1 / 67
قاعدة (١٣)
الدوام على الشيء، هل هو كالابتداء، أم لا
وعليه خلاف القابسي وابن أبي زيد، فيمن أحدث قبل تمام غسله، ثمَّ غسل ما مر من أعضاء وضوئه، ولم يجدد نية، وإذا حلف لا دخل الدار وهو فهي، أو لا ركب الدابة وهو عليها، أو لا لبِس الثوب وهو لابسه، أو اقتدى مريض بمثله، فصحَّ المقتدي، أو قال: إذا حملت فأنت طالق، وهي حامل، أو فاته الوقوف بعرفة، بخطأ في العدد، أو مرض، أو عدم دليل، أو رفيق، أو مركوب. فأراد التحلل بأفعال العمرة، فتراخى إلى أشهر الحج من قابل، فإنه لا يتحلل، فإن تحلل، فقال ابن القاسم: يمضي، وقال أيضًا: لا يمضي تحلله، وهما على القاعدة:
فعلى أن الدوام كالابتداء، فلا يمضي تحلله، وعلى أن لا، فيمضي أو اشترى زوج أمه، أو زوج أبيه.
ولزوم النزول عن الهدي، بعد الراحة، ووجود الطول بعد نكاح الأمة، والماء بعد التيمم، والإحرام بعد الصيد.
وكالحدث، فلا يبنى عند الجمهور، (والخبث)، في قول المالكية المشهور. وضمان المغصوب، هل يُضمن بأرفع القيم، كما يقوله ابن وهب
1 / 68
وأشهب وابن الماجشون، بناء على أنه في كل حين كالمبتدأ للغصب، فهو ضامن في كل وقت ضمانًا جديدًا، أو إنما يضمن يوم الغصب، كما يقوله المشهور، بناء على أن الدوام ليس كالابتداء.
ومن أسلم وتحته مجوسية، أو أمة كتابية.
تنبيه:
لم يجعلوا الدوام كالإنشاء، في البناء في الرعاف لأنه رخصة، ولا في طروِّ اليسر بعد صوم أيام من كفارة الظهار، وجعلوها كالإنشاء فيمن ألقت الريح الطيب عليه، وتراخى في إزالته وهو محرم، وفي من (رأى) مصحفًا في نجاسة، ولم يرفعه مختارًا - في أنه ردة، وانظر، إذا أخذ العبد الزكاة، ولم تزل بيده إلى أن عتق، وبقيت عنده بعد العتق، هل تجزيه، بناء على أن الدوام كالابتداء، أو لا. وإذا عجَّل الزكاة قبل الحول بكثير، وبقيت إلى حلول الحول، وقالوا في الفقير يأخذها أنه لا يردُّها، نظرًا إلى أن الدوام ليس كالابتداء، وقالوا في الغارم يأخذها لقضاء دينه، ثم يستغني قبل أدائه إشكال. قال اللخمي. ولو قيل تنزع منه لكان له وجه.
قاعدة (١٤)
الأصغر هل يندرج في الأكبر، أو لا
وعليه إجزاء غسل الرأس عن مسحه، والغسل عن الوضوء، وإخراج بعير عن خمسة أبعرة، واندراج عهدة الثلاث في السنة، والعمرة في الحج
1 / 69
للقارن، ودية الأعضاء في النفس، ومن لزمته حدود وقتل، ومن شفع الإقامة غلطًا.
قال المازري عن بعض أصحابنا وعزاه ابن يونس لأصبغ، بالإجزاء، والمشهور، لا، وإذا أبان الرأس في الذبح، أو أخرج زكاة الفطر بالمد الأكبر.
تنبيه:
وليس من هذه المسائل من فرضه التيمم، فتجشم المشقة واغتسل بالماء، ولا من فرضه الفطر فصام، ولا من فرضه الإيماء فسجد على الجبهة، خلافًا لبعض الأئمة، واعتل بأنه كان منهيًا عن ذلك، والمنهي عنه لا يجزي عن المأمور.
قاعدة (١٥)
ما قرب من الشيء، هل له حكمه، أم لا
وعليه العفو عما قرب من محل الاستجمار، وتقدم العقد على الإذن بالزمن اليسير، ولزوم طلاق المراهق، وحده، وقتله، واعتبار إسلامه وإسهامه، وصحة إنكاحه وليته لقربه من البلوغ، وتسلف أحد المصطرفين، بخلاف تسلفهما معًا، لطول الأمر فيه غالبًا، وتقديم الزكاة قبل الحول بيسير، والنية قبل محلها في الوضوء والصلاة بيسير، (وفوت) (المبيع)
1 / 70
بالثنيا والعهدة والخيار بعد زمنها بيسير، وتعدي المكتري المسافة بالشيء اليسير، وإذا أرسل بقرب الحرم على صيد فقتله قبل أن يدخل الحرم. وتأخير رأس مال السلَّم اليومين والثلاثة، والمعيَّنِ إليها. والمكتري يدعي دفع الكراء بعد انقضاء الوجيبة بيسير. والشريك في الزرع، يدعي الدفع لشريكه بعد رفع الصوبة بيسير، والصانع يدعي بقرب دفع المصنوع إلى ربه كاليومين، ونحوهما – أنه لم يقبض الأجرة. والوكيل يدعي الدفع لموكله بحدثان الوكالة.
والوصي يدعي الدفع للوارث بعد الإطلاق بالزمن اليسير. وإذا سلَّم الوكيل السلعة للموكل، ثم زعم بالقرب من زمن تسليم السلعة للموكل أنه زاد فيها زيادة تلزم الآمر، فإنه يُقبل منه، وإن ادعاه بعد طول لم يُقبل منه، وإذا زاد الوكيل في الثمن زيادة يسيرة فإنه لازم للآمر، بخلاف إذا نقص اليسير من الثمن في البيع.
والفرق أن الشراء لا يتأتى غالبًا بما يجده الآمر، حتى لا يزيد الوكيل عليه شيئًا، وغرضه تحصيل المشتري، ولا يحصل إلا بتمكين الوكيل من زيادة يسيرة، بخلاف البيع، فإنه لا يلزم الموكل، لكونه يتأتى بما حد له، أو يرد على الموكل ما وكله على بيعه، وقيل النقصان اليسير من الثمن كالزيادة فيه. وإذا ابتاع الوكيل سلعة معيبة عيبًا خفيفًا يغتفر مثله، فالشراء لازم لموكله إذا كان نظرًا وفرصة، ويحط عن الشفيع ما حط على المبتاع،
1 / 71
إذا كان يشبه حطيطه البيع. واستحقاق اليسير من المقوّم لا يوجب الفسخ، بخلاف الكثير. ويغتفر قطع اليسير من ذنب الأضحية، وأذنها، وإذا صالح على الإنكار، ثم استُحقَّ ما أخذ المدعي بقرب الصلح، فإنه ينقض، ويرجع على دعواه، وإن طال رجع بقيمته إن كان مقومًا، ويمثله إن كان مثليًا. والمرأة تعطي لزوجها مالًا على أن لا يتزوج عليها، أو على أن لا يطلقها، ثم يتزوج، أو يطلقها بالقرب.
قاعدة (١٦)
الأمر هل يقتضي التكرار، أم لا
وعليه إذا تعدد الولوغ، هل يتعدد الغسل بتعدده أم لا، وإذا تعدد المؤذنون، هل تتعدد الحكاية بتعددهم أم لا. والمشهور فيهما نفي التعدد. وإذا تكرر دخول المسجد، وقراءة السجدة.
قاعدة (١٧)
إذا تعارض الأصل والغالب،
هل يؤخذ بالأصل، أو الغالب، فيه قولان:
وعليه في المذهب فروع ومسائل، منها الخلاف بين مالك وابن حبيب في دعوى المبتاع الجهل بالعيب الظاهر، فمالك قبل دعوته المبتاع بيمين، وابن حبيب والموثقون لم يقبلوها إذا كان العيب في موضع ظاهر لا يخفى غالبًا.
1 / 72
تنبيه:
قال القرافي: هذا ليس على إطلاقه، بل اجتمعت الأمة على اعتبار الأصل، وإلغاء الغالب، في دعوى الدين ونحوه، فإن القول قول المدعى عليه، وإن كان الطالب أصلح الناس، وأتقاهم لله، ومن الغالب عليه أن لا يدعي إلا ماله، فهذا الغالب ملغي إجماعًا، واتفق الناس على تقديم الغالب، وإلغاء الأصل في البينة إذا شهدت، فإن الغالب صدقها، والأصل براءة ذمة المشهود عليه، وألغي الأصل ها هنا بالإجماع، عكس الأول، فليس الخلاف على الإطلاق.
قاعدة (١٨)
كل عضو غسل هل يرتفع حدثه، أو لا، إلا بالكمال والفراغ
وعليه تفريق النية على الأعضاء، ولِبس أحد الخفين، قبل غسل الخرى، عند قوم.
تنبيهات:
الأول: استشكل ابن راشد تصوير مسألة تفريق النية، على الأعضاء، وذكر عن بعض أشياخه أنه كان ينكر القاعدة التي بني عليها خلافُ المسألة، ويقول: لا أصل لها.
ابن عبد السلام: ولا معنى لإنكاره له، بعد نقل جماعة كثيرة المسائلَ الدالة عليه.
1 / 73
أبو عمران: وما زال الحذاق من الشيوخ، يبنون عليه، وتظهر فائدته في مسائل، وذلك كاف في ثبوت الخلاف في مثله، وكثير من الأصول في المذهب، لا تجد الخلاف منصوصًا، في أصلها، مع كونهم يذكرون الخلاف، ويبنون عليه، وذلك: مثل قولهم في عقد الخيار، هل هو مخل، حتى ينعقد، أو بالعكس.
الثاني: أنكر ابن العربي وجود القول بأن كل عضو يطهر بانفراده، قال: وإنما تقول الشافعية، وهو مع ذلك أصل فاسد، فإنه يلزم عليه أن يجوز مسّ المصحف لمن غسل وجهه ويديه، وهو خلاف الإجماع.
وأجاب ابن عرفة- ﵀ بأنه لا يلزم، لأنا وإن قلنا بأن كل عضو يطهر بانفراده، فإنا إنما نعرف ذلك بإكمال الوضوء، فإتمام الوضوء كاشف بأن العضو قد طهر، ولا يُمس المصحف قبل تبين الكاشف.
قال بعض حذاق تلامذته: ولا يخفى عليك ما في الجواب من التكلف، ثم هو غير سديد، فإن القائل بذلك يرى أن العضو بنفس الفراغ منه طهر، دون انتظار شيء، ولذا أجروا عليه صحة تفريق النية على الأعضاء.
واحتجوا له بحديث: (إذا توضأ العبد، فغسل وجهه، خرجت الخطايا من وجهه ...) الحديث إلى آخره.
قالوا لأن خروج الخطايا من العضو، إنما يكون بعد طهارته في نفسه
1 / 74