العقل جوهر لا يتجزأ. وذلك أنه إن كان ليس بعظم ولا بجسم ولا يتحرك — فلا محالة أنه لا يتجزأ. وأيضا فإن كل متجزئ إما أن يتجزأ بالكثرة، وإما فى العظم، وإما فى حركته؛ فإذا كان الشىء على هذه الحال، كان تحت الزمان، لأنه إنما يقبل التجزئة فى زمان. وليس العقل داخلا تحت الزمان، بل هو مع الدهر، فلذلك صار أرفع وأعلى من كل جسم وكل كثرة. فإن ألفيت فيه كثرة فإنما تلفى فيه موحدة كأنها شىء واحد. فإذا كان العقل على هذه الصفة لم يقبل التجزئة ألبتة. والدليل على ذلك رجوعه إلى ذاته، أعنى أنه لا يميز مع الشىء المميز، فيكون أحد طرفيه نابيا من الآخر. وذلك أنه إذا أراد علم الشىء الجسمانى الممتد امتد معه وهو ثابت قائم على حاله لأنها صورة لا يضيق عنها شىء، وليست الأجرام كذلك.
والدليل أيضا على أن العقل ليس بجرم ولا يتجزأ — جوهره وفعله: فإنهما شىء واحد. والعقل كثير من تلقاء الفضائل الآتية إليه من العلة الأولى. وهو، وإن تكثر بهذا النوع، فإنه ما قرب من الواحد صار واحدا لا ينقسم. والعقل لا يقبل التقسيم لأنه أول مبدع أبدع من العلة الأولى: فالوحدانية أولى به من الانقسام.
فقد صح أن العقل جوهر، ليس بعظم ولا جسم، ولا يتحرك بنوع من أنواع الحركة الجسمانية. ولذلك صار فوق الزمان، كما بينا.
[chapter 7] ٧ — باب آخر
Page 10