Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Genres
في مصر بنوك متعددة، وشركات كبرى كثيرة، ومدارس للأجانب، تزاول أعمالها باللغات الأوروبية، وفيها كليات العلوم والهندسة والطب بفروعه جارية فيها الدراسة بالإنجليزية المكتوبة بالحروف اللاتينية. ولم نحس أن عمال تلك البنوك والشركات وتلاميذ تلك المدارس وطلبة تلك الكليات مصابون في نظرهم، دون غيرهم من الناس، أو أكثر من غيرهم من الناس، بالقصر ولا بغيره من الآفات. كما أن الإفرنج من جميع الأمم التي تكتب بالأحرف اللاتينية لم تصد تلك الحروف أنفس علمائهم وأدبائهم عن الدأب في التحصيل، ولم تمنع طلبتهم بعد أن يخرجوا من مدارسهم العالية، من أن ينقضوا هم وأبناء جلدتهم علينا كالبزاة والعقبان، حداد المخالب، أصحاء الأحداق، ولا من أن يخوضوا غمار المعارك الدموية في البر والبحر والجو، أقوياء القلوب مسلمة أعينهم وأبدانهم من العلات. أفسحر هذا؟ أم أنهم من غير طينتنا البشرية؟ أم أن هذا المحذور الذي تضخم من شأنه هو أمر واه لا يؤخر الأمم العاملة في شيء؟ أظنك قد لا تمانع في أن الفرض الأخير هو الصحيح، وفي أن حبك للرسم العربي وامتلاء مزاجك به، هو الذي يدفعك إلى التغالي في تسويء الرسم اللاتيني، وإلى القول بأنه يرمد الأعين ويصد النفوس عن التحصيل، مخالفا في هذا ما أشاهده من آثاره في أهله، أنا وأنت وغيرنا من الناس.
ليت طلبتنا في الشرق يرمدون كطلبة الغرب، ونفوسنا في الشرق تنصد عن القراءة كأمم الغرب، إذا كان ذلك الرمد وهذا الانصداد يحلاننا المحل الذي يتبوءه الأوروبيون من العلم والفن وصحة العيون وسلامة الأبدان!
سادسا:
أما ما تنتهي إليه من القول بأن الحروف العربية أصلح الحروف لتأدية ما للغتنا من النغمات، فإن بعض مدلول قولك هذا يا سيدي حق لا ريب فيه. وهو ما رجع إلى النغمات الخصيصة بالعربية. وإني ما عارضت في هذا قط.
14
أما البعض الآخر الراجع إلى النغمات المشتركة بين العربية وبين غيرها كالباء والتاء والدال والسين وما أشبهها، فإن الأحرف اللاتينية لا تقل عن العربية صلاحية في تأديتها.
على أن كلامك هذا في واد وما نحن بسبيله في آخر. إن الكتابة سواء كانت بالحروف العربية أو بالحروف اللاتينية، داخلا فيها من العربية ما يؤدي نغماتنا الخاصة، أو من غير العربية ما قد يبتدع للدلالة على هذه النغمات الخاصة، فإن رص حروف النغمات في كل هذه الأحوال غير متبوعة بحروف الحركات، أو بعلامات الحركات، هو الضرر البليغ الذي نحن بسبيل الشكوى منه، ما دامت الحركات هي روح العربية وملاكها، وما دام أنه بدونها لا يمكن نطق معظم حروف النغمات ولا معرفة معاني الألفاظ.
عن المسألة الثالثة، بدأت بإيراد اعتراض من يقول إن الأحرف اللاتينية بإدخالها صورا مستقلة للحركات (الفتح والضم والكسر) تخدم العربية خدمة تتضاءل أمامها كل الانتقادات الفنية عليها؛ لأنها تجعلنا نقرأ كما نكتب ونكتب كما نقرأ، وتقضي على الأمية المتفشية فينا. ثم قلت إنك لا تستخف بهذا الاعتراض، ولكنك تراه محاولة خاطئة سيئة النتيجة، وأنك تستنصر لقولك هذا بالتاريخ وعلم اللغات. ثم أتيت ببيان مسهب حاصله:
أولا:
أن العلماء قالوا إن اللغات السامية أساسها المصدر، ومنه تخرج مشتقات للدلالة على الأفعال والأسماء. وإن هذا المصدر لا يتكون إلا من حروف نغمات جوهرية
Unknown page