تراجع أداماس وسط جمع رفاقه، اتقاء للمنية. ولكن ميريونيس لاحقه فيما كان يمضي ورماه برمحه، وأصابه في المنتصف فيما بين أعضائه الحميمة وسرته، وهي أكثر المواضع التي يقسو فيها آريس على الفانين التعسين. ومع ذلك غرز [ميريونيس] رمحه في ذلك الموضع وكان الآخر [أداماس] يتلوى، وهو ينحني نحو قصبة الرمح التي اخترقته، كثور قيده الرعاة وسط الجبال بحبال مجدولة وجروه معهم بالقوة، هكذا، حينما تلقى الضربة، تلوى قليلا، ولكن ليس لوقت طويل. (الإلياذة، 13، 566-573)
بعد ذلك في موضع ما (13، 617)، يحطم مينلاوس عظام وجه أحد الرجال تحطيما؛ حتى إن عينيه تخرجان من محجريهما وتسقطان على الأرض!
تؤدي إنجازات إيدومينيوس العظيمة في ميسرة الجيش الطروادي، بالإضافة إلى مقاومة الأياسين الصلبة لهيكتور في قلب الصف، ببوليداماس إلى حث هيكتور على التراجع. كان بوليداماس هو الذي فسر في وقت سابق نذير النسر والثعبان الباقي على قيد الحياة. يتفقد هيكتور الميسرة وينتقد شقيقه باريس بغلظة، كما هي العادة، ثم يعود إلى قلب الجيش حيث يتجدد القتال. يستعد هيكتور لمنازلة أياس ابن تيلامون. من الناحية العسكرية، لم يتغير شيء منذ حطم هيكتور البوابة. ويستمر هوميروس ببراعة فائقة في تأخير الأحداث. وإننا لنتساءل أين آخيل وأين باتروكلوس طوال هذا الوقت؟ (17) «خداع زيوس» (الكتاب 14)
من أجل أن يمنح هوميروس عمقا لتأخيره للأحداث، وليضفي معقولية على عنفوان المقاومة الآخية، يقدم سلسلة من المشاهد التي تجري على ما يبدو في نفس وقت «المعركة عند السفن»، حسب عرف في النظم الشعري الملحمي مفاده أن الأحداث المتزامنة تروى متوالية (لا يتفق جميع الباحثين مع هذا الرأي). على أي حال، فإنه في نهاية مشهد «المعركة عند السفن»، يدخل هيكتور في مواجهة مباشرة مع أياس؛ وفي نهاية مشهد «خداع زيوس» يواجه أياس مرة أخرى. يبدو أن هوميروس يكمل من حيث توقف.
والآن فقط يخرج نيستور من خيمته؛ إذ يدفعه صوت المعركة إلى التنبه. فيتسلح سريعا، وينطلق، وعلى الفور يلقى رهط القادة الذين أصيبوا سابقا في القتال، أجاممنون، وديوميديس، وأوديسيوس، وثلاثتهم يتكئون على رماحهم كما لو أنهم شيوخ طاعنون في السن، ويا له من منظر بائس! للمرة الثالثة في القصيدة، يقترح أجاممنون القانط والفظ أن يلوذوا بالفرار، إلا أن أوديسيوس يسكته بمحاضرة خشنة مفادها: إن هربوا، فسيفقد الرجال المرابطون على الجدار شجاعتهم وثقتهم ويقتلون. لدى ديوميديس الجواب؛ فرغم أنهم مصابون، فإنهم ينبغي أن يعودوا ويقاتلوا. ويظهر بوسيدون المتخفي، الذي يتجول بين الصفوف يلهب حماس الآخيين للقتال دفاعا عن السفن، بجانبهم.
في تلك الأثناء، تستمر الحياة في السماء بسلاسة وبلا هموم. فلا نجد تفسيرا على الإطلاق لغفلة زيوس في بداية «المعركة عند السفن»، إلا أن هيرا تبرزها؛ إذ تستحسن جهود بوسيدون للتدخل. إن رؤية هوميروس الهزلية لاذعة وهو ينتقل من الميتات البشعة للكثيرين ومصير المحارب المروع إلى ما يجري في قاعات السماء. وحتى تتيقن هيرا من أن يظل زيوس غافلا عن نية بوسيدون لمعاونة الآخيين، فإنها تضع خطة مستحيلة؛ إذ سوف تغوي زوجها!
يصف هوميروس، في محاكاة ساخرة قوية لمشهد تسلح [أثينا]، كيف تضع هيرا زينتها؛ إذ تمسح بالزيت بغزارة على جسدها ، الذي لا يكون لزيوس رغبة عادة في لمسه. ومع ذلك ستظل بحاجة إلى المزيد من المساعدة، وتحصل عليها من شقيقتها أفروديت، في صورة تميمة للحب على هيئة حزام. وأيضا ترشو الإله العظيم النوم لينضم إليها.
في مشهد مضحك يتملى هوميروس بناظريه في الإلهة المجددة ولا يدور بخلده إلا خاطر واحد، وهو أن يقنع هيرا بحدة رغبته الجنسية، فيلقي على سمعها قائمة سريعة بالنساء الكثيرات جدا اللواتي خانها معهن:
أما الآن، فتعال نسعد ونضطجع معا عشقا، فلم تواتني الرغبة إلى ربة أو حتى إلى امرأة فانية بمثل ما تغمر قلبي الذي بين أضلعي وتدفعني لإشباعها الآن. بل إنني لم أتيم عشقا، ولا حتى بعروس إكسيون التي أنجبت لي بيريثوس، صنو الآلهة في الحكمة. ولا شغفتني حتى داناي، جميلة الكعبين، ابنة أكريسيوس، التي أنجبت بيرسيوس المتفوق على المحاربين أجمعين؛ وما همت بابنة فوينيكس ذائعة الصيت التي أنجبت لي مينوس ورادامانثيس الإلهي؛ ولا لم أتيم بسيميلي ولا بألكميني في طيبة التي أنجبت لي هرقل الابن الشجاع القلب؛ وسيميلي التي أنجبت ديونيسوس بهجة الفانين؛ ولا بالمليكة ديميتر جميلة الضفائر. ولم أشغف بليتو المجيدة، بل ولا بك أنت نفسك بمثل ما أتيم بك الآن وتتملكني الرغبة اللذيذة والشهوة الطاغية. (الإلياذة، 14، 314-328) [ترجمة عبد السلام البراوي، المركز القومي للترجمة (بتصرف)]
وبينما يتطارح زيوس وهيرا الغرام على قمة جبل إيدا تنبت الزهور من حولهما. يربط مؤرخو الأديان هذا الوصف بعبادة الخصوبة؛ لأن زيوس هو إله السماء وهيرا مثل الأرض، كما لو كان اتحادهما هو اتحاد بين السماء والأرض الكائنين منذ الأزل. غير أن اهتمامات هوميروس هي اهتمامات ساخرة تماما. فهوميروس يخفف مشاهد سفك الدماء وبقر البطون وتمجيد الذات المبالغ فيه لأبطاله الفانين بضحك فاحش من شأن جمهور كله من الذكور له زوجة واحدة فقط أن يستمتع به كثيرا.
Unknown page