حدثت أمور كثيرة منذ وعد زيوس لثيتيس بأنه سوف يثأر لما حاق بآخيل من إجحاف، ولكن هوميروس كان مهتما بقصة حرب طروادة أكثر من اهتمامه بتجسيد هزيمة الآخيين لمستمعيه. كان الآخيون يحققون الانتصارات تحت قيادة ديوميديس البارع، الذي بلغ به الأمر أن جرح أفروديت وآريس لبسالته، وأردى سائق مركبة هيكتور قتيلا، وكاد أن يقتل هيكتور هو الآخر، لولا أن زيوس تدخل بإرسال صاعقة. يريد هوميروس هنا أن يعيد قصته إلى آخيل، الذي قاده غضبه إلى التنكر لرفقائه ولعنهم. يفصح هوميروس مباشرة عما أصاب الآخيين من قنوط وضيق، كما رأينا، ويقدم الطرواديين المتحمسين وهم يقيمون معسكرا لهم بعجرفة على السهل. وفي تشبيه جدير بأن يذكر، تبدو نيران معسكرهم في كثرتها كالنجوم في سماء ليلة بلا غيم.
في معسكر الآخيين، يكرر أجاممنون ذو الروح الانهزامية المشهد السابق في «الحلم الملفق»، معلنا أمام القوات أنهم لا يمكنهم أبدا أن يستولوا على طروادة وأنه ينبغي عليهم العودة إلى ديارهم، بيد أنه هذه المرة يعني حقا ما يقوله. لقد كان المشهد السابق هزليا وينطوي على استهزاء بالأبطال عندما هرب الجميع في فوضى عارمة إلى السفن. أما في حالتنا هذه، فالمشهد جاد إلى أقصى حد ولا أحد يهرب. وينتقد ديوميديس الجسور أجاممنون انتقادا شديدا لضعفه، ويرى نيستور فرصة سانحة لإعادة آخيل إلى القتال.
ينزوي القادة إلى مجلس، ويتهم نيستور أجاممنون صراحة بإهانة شرف آخيل وجرهم إلى هذا الوضع الراهن المؤسف. يجيب أجاممنون موافقا: «نعم، لقد تملكني آتي
atê [a-tā]
الجنون» (الإلياذة، 9، 116). يقصد أجاممنون بقوله «آتي»
atê «الجنون» نوعا من القوة المتجسدة التي تذهب منطق المرء السليم (إلهة الأذى والخداع والخراب والحماقة)، مثلما نقول «لقد خرج عن شعوره». ليس واضحا على الإطلاق إن كان أجاممنون يتحمل المسئولية عما اقترف، بخلاف وقوعه ضحية «آتي»
atê ، ولكنه يوافق على إرسال هدايا رائعة كثيرة، فيض من الغنائم
geras ، لكي يعيد إلى آخيل سؤدده
timê
ويخفف غضبه. لقد توقعت ثيتيس أن هذا سوف يحدث بحذافيره. سوف يقدم له سبعة مراجل ثلاثية القوائم، وعشرة مثاقيل من الذهب، وعشرين قدرا، واثنا عشر جوادا قويا، وسبع نساء حسناوات ماهرات في الأشغال اليدوية اللطيفة، وبريسئيس، التي يقسم أنه لم يجامعها مطلقا، بالإضافة إلى عشرين امرأة من طروادة، عندما يستولون على المدينة، بل سوف ينكح آخيل إحدى بناته الثلاث (حتى يصبح آخيل زوج ابنته!). يبدو أن هوميروس لا يعرف القصة التي اشتهرت عن طريق رواية تراجيدية يونانية، والتي تحكي أن أجاممنون كان قد قتل إحدى بناته، وهي إفيجينيا، ليؤمن للأسطول رياحا مواتية عندما يبحر من أوليدة إلى طروادة. وأيضا سوف يمنحه ثلاث مدن خاضعة:
Unknown page