في الوقت الذي فيه أوديسيوس تائه في عرض البحر، ويعتقد أنه في عداد الأموات، تنتقل طغمة من أكثر من مائة رجل من سليلي العائلات عريقي النسب من إيثاكا والجزر المجاورة إلى بيت أوديسيوس، وتأخذ في الإلحاح على بينيلوبي لتتزوج واحدا منهم. يريد كل واحد منهم أن يصبح «البازيليوس»
basileus ، أي «الملك» أو الزعيم، القادم، مع أننا لا نعرف على الإطلاق ما ذلك الذي يؤدي إليه أمر السيطرة على بيت أوديسيوس وأراضيه. في ظاهر الأمر أن أرملة الزعيم القديم (أوديسيوس) تحدد، عن طريق الزواج مرة أخرى، من سيكون الزعيم القادم. في إطارها العام تصف القصيدة الهوميرية المرحلة الانتقالية التاريخية من حكم ملوك ممالك صغرى، أي زعماء العشائر
Big Men (
basileis ؛ جمع كلمة
basileus )، في العصر الحديدي إلى حكم الأقليات الحاكمة الأرستقراطية في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد التاريخية. في قصة هوميروس يكون الظفر من نصيب الجيل الأكبر سنا من زعماء العشائر. ولا بد أن جمهور هوميروس النمطي كان موجودا في بلاط أولئك الرجال تحديدا؛ إذ في النهاية يقتل أوديسيوس كل واحد من المجترئين عليه وعلى بيته والفتيان الشديدي الغباء الذين سمحوا لميول عاطفية بأن تكون مبررا لسلوكهم الفظ. في المقابل، في الترفيه السينمائي المعاصر، الذي يكون فيه الجمهور من الفئة العمرية ما بين الثامنة عشرة والسادسة والثلاثين من العمر، نجد الحبكة الشائعة تظهر الشباب في صورة أشخاص مفعمين بالحيوية وفي قبضة حب صادق في حين يتصدى لهم آباؤهم متوسطو العمر، الداعرون والفاسدون. وفي النهاية يكون النصر دوما للشباب على الكبار.
وفي حين تدور أحداث «الإلياذة» في الحقبة الملحمية البطولية، فإن عالم «الأوديسة» (فيما عدا الأرض الخيالية) ليس إلا عالم هوميروس . أحيانا يطلق النقاد على «الإلياذة» وصف
saga (ساجا: سرد ملحمي طويل يتناول بطلا مشهورا أو مآثر ملوك ومحاربين)، ويرجع ذلك إلى الزعم بأن أحداثها دارت منذ زمن بعيد في عالم كان يأهله عرق أعظم، وعلى «الأوديسة» وصف
romance (أي رواية مغامرات)؛ لأنها تصور عالما معاصرا علاوة على مؤثرات جمالية منمقة. ما السبب في أن مسقط رأس البطل وموطنه هو جزيرة إيثاكا الغامضة، غرب بر اليونان الرئيسي عند مدخل خليج كورنث؟ لقد عثر هاينريش شليمان، الواثق من صحة الوقائع التاريخية للقصائد الهوميرية، على أطلال طروادة وميسينيا وتيرنز، ولكنه لم يعثر على أي شيء على جزيرة إيثاكا، ولا عثرت أعمال التنقيب المكثفة اللاحقة على قصر من العصر البرونزي. ولكن في حقبة استكشاف غرب اليونان، التي بدأت في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن الثامن قبل الميلاد، كانت إيثاكا تقع مباشرة على الطريق الساحلية المؤدية إلى إيطاليا. وما زال أصحاب اليخوت الذين يجوبون البحر المتوسط في يومنا هذا يرسون في الميناء في إيثاكا قبل أن يولوا وجهتهم شمالا إلى جزيرة كورسيرا، التي يكاد الساحل الإيطالي أن يكون باديا للعيان منها. (1) ابتهال واستهلال: «الجريمة لا تفيد» (1، 1-95)
تقع أحداث «الإلياذة» على مدار بضعة أيام في العام التاسع للحرب؛ ومن ثم فقصتها ذات قالب خطي. فنرى في البداية النزاع، ثم البعثة، ثم موت باتروكلوس، ثم دفن هيكتور. لملحمة «الأوديسة»، أيضا، قالب خطي: يمضي تليماك للعثور على أبيه، ويرجع أبوه للديار، ويحيكان خطة، ويقتلان الخطاب. ولكن على النقيض من هذا الإطار توجد أحداث دائرية واسترجاعات لأحداث في مراحل زمنية سابقة، تطيل أمد قصة «الأوديسة» لعشرة أعوام، وتعطي «الأوديسة» شكلا شديد الاختلاف عن «الإلياذة». وتمثل قصة أوديسيوس الخيالية الشهيرة التي يطلق عليها
apologue
Unknown page