قالت إيف: «أوه، لم يحدث هذا بالطبع.» «بل حدث، وكانوا يتحرشون بنا لفظيا - تحرشوا بنا بالفعل - كي نتحدث عن الجنس. كان تحرشا لفظيا، وكنت تدفعين مقابل هذا.» «لم أكن أعرف أنها بهذا السوء.»
قالت صوفي: «على كل فقد نجوت بنفسي.»
قالت إيف بارتجافة: «هذا هو المهم، أن تنجي بنفسك.» •••
كان والد صوفي من ولاية كيرلا التي تقع في الشطر الجنوبي من الهند. قابلته إيف وأمضت كل وقتها معه على متن قطار مسافر من فانكوفر إلى تورونتو. كان طبيبا شابا يدرس في كندا للحصول على درجة الزمالة ، وكان متزوجا وله طفلة في موطنه بالهند.
استغرقت رحلة القطار ثلاثة أيام، وعندما توقف مدة نصف ساعة في كالجاري، هرعت إيف والطبيب باحثين عن صيدلية كي يبتاعا منها واقيات ذكرية، لكنهما لم ينجحا في سعيهما. وعندما وصلا وينيبيج - حيث توقف القطار مرة أخرى مدة ساعة كاملة - كان الأوان قد فات. والواقع - كما ذكرت إيف كلما روت قصتهما - أن الأوان قد فات بمجرد تجاوز القطار حدود مدينة كالجاري.
كان الطبيب يستقل عربة قطار عادية؛ فلم تكن منحة الزمالة مجزية للغاية. أما إيف، فكانت مسرفة في هذه الرحلة واستأجرت لنفسها قمرة خاصة. كان هذا الإسراف - الذي اتخذ قراره في اللحظات الأخيرة - وما وفرته القمرة من راحة وخصوصية، هما السببان الأساسيان في وجود صوفي وفي أكبر تغيير طرأ على حياة إيف. هذا بالإضافة إلى أنه ليس بإمكان أحد أن يبتاع واقيات ذكرية من أي مكان بالقرب من محطة كالجاري تحت أي ظرف من الظروف.
وعندما وصلا محطة تورونتو، لوحت بيدها مودعة حبيبها القادم من كيرلا - كما يودع أي أحد شخصا عرفه في القطار - فقد قابلت لتوها رجلا أضحى في ذلك الوقت اهتمامها الرئيسي ومشكلة حياتها الأساسية. كانت اهتزازات وتمايلات القطار هي العلامة التي ميزت الأيام الثلاثة التي استغرقها القطار في رحلته، حتى إن الحركات الجنسية كانت تلقائية وغير متعمدة على الإطلاق، وربما لهذا استسلما لها - فيما يبدو - ولم يصاحبهما أي شعور بالذنب. ولا بد أن شعورهما وحديثهما قد تأثرا بالمثل بهذه التلقائية؛ فقد كانت إيف تتذكر كم كانت هذه المشاعر والأحاديث عذبة وسخية، غير تقليدية أو فاترة. فمن الصعب أن تكون تقليديا عندما تتعامل مع أبعاد ومقاييس قمرة قطار.
أخبرت إيف صوفي باسم والدها الذي عمد به - وهو توماس؛ تيمنا بالقديس - ولم تكن إيف تعرف أن هناك مسيحيين في جنوب الهند قبل أن تقابله. وحين كانت صوفي دون العشرين، شغلت لبعض الوقت بولاية كيرلا؛ إذ كانت تأتي بكتب من المكتبة عن هذه الولاية إلى المنزل، واعتادت أن تذهب إلى الحفلات مرتدية الساري. وعندما كبرت قليلا، كانت تتحدث عن الذهاب إلى هناك للبحث عن أبيها، وبدا لها أن معرفتها باسمه الأول وبتخصصه - أمراض الدم - كافية لأن تجده. لكن إيف أكدت لها أن عدد سكان الهند هائل، وأنه من الممكن ألا يكون قد استقر هناك، غير أن ما لم تستطع أن تشرحه لها هو كم سيكون وجودها عرضيا بكل تأكيد، وغير محتمل بالمرة، في حياة والدها. ولحسن الحظ، تبخرت هذه الفكرة من ذهن الفتاة، وتوقفت عن ارتداء الساري بعدما شاعت تلك الأزياء المثيرة العرقية في كل مكان. ولم تذكر أبيها بعدها إلا حين حملت لأول مرة؛ متندرة على الحفاظ على تقاليد العائلة بخصوص غياب الآباء. •••
لكن الآن لا مجال لهذه النكات؛ فقد نضجت صوفي وصارت تتصف بالرقي والأنوثة المتحفظة. وذات مرة - بينما كانوا يتوغلون في غابة الأشجار بالقرب من الشاطئ للوصول إليه - انحنت صوفي لتحمل ديزي من الأرض كي يتحركوا بسرعة أكبر مبتعدين عن البعوض. وحينها انبهرت إيف بمقومات الجمال التي طرأت على ابنتها مؤخرا؛ جمال فائق هادئ بسيط، ليس نتاج العناية به أو استخدام مستحضرات التجميل، وإنما نتاج إيثارها وانغماسها في الواجبات. أمست تبدو أكثر ميلا لملامح الهنود، فقد أكسبت شمس كاليفورنيا بشرتها الخمرية سمرة أغمق، وظهرت تحت عينيها هالات من أثر إرهاق بسيط ومتواصل.
لكنها ظلت سباحة ماهرة؛ فالسباحة هي الرياضة الوحيدة التي اهتمت بها على الإطلاق. لم يتغير مستواها بمرور الوقت، وكانت تسبح باتجاه منتصف البحيرة - فيما يبدو - أثناء هذه الزيارة. وفي أول يوم سبحت فيه، قالت: «كان هذا رائعا، غمرني شعور قوي بالحرية.» لم يكن السبب وراء قولها هذا أن إيف كانت تعتني بطفليها؛ مما منحها هذا الشعور بالحرية؛ إذ أدركت إيف أن ابنتها ليست في حاجة للإقرار بذلك. وقالت إيف: «إنني سعيدة»؛ مع أنها في الواقع كانت تشعر بالخوف الشديد عليها، فأخذت تناديها مرات ومرات خلال السباحة بينها وبين نفسها: استديري الآن وارجعي. لكن صوفي استمرت في السباحة متجاهلة تلك الرسالة التخاطرية الملحة. وتبدى رأسها الأسود أمام ناظري إيف كبقعة في الماء، ثم كأثر بقعة، ثم كسراب تتقاذفه الأمواج المتلاطمة. لم يكن ما خشيته إيف ولم تستطع التفكير فيه هو تداعي قوتها، وإنما رغبتها في العودة؛ وكأن صوفي الجديدة - تلك المرأة الناضجة التي تقيدها المسئوليات - لا تكترث بحياتها أكثر من الفتاة التي تعرفها إيف؛ صوفي الصغيرة التي تعج حياتها بالمخاطر والرومانسية والأحداث الدرامية. •••
Unknown page