بينما كادوا ينتهون من التجهيز لحفلهم، قام ديريك بتشغيل أسطوانة موسيقى. كانت واحدة من الأسطوانات التي أخذها معه إلى منزل روزماري، ولا بد أنه أعادها معه إلى هنا. كان اسمها «ألحان ورقصات قديمة على أنغام العود»، وكان لها غلاف يحمل صورة لمجموعة سيدات نحيلات للغاية - في ملابس قديمة الطراز مرتفعة الخصر، وشعر متموج قصير حتى الأذن - يرقصن في دائرة. كانت هذه الموسيقى دائما ما تثير في ديريك الرغبة في التمايل في رقصة احتفالية مضحكة تشترك معه فيها كارين وروزماري، وكانت كارين تراقصه بنفس مستواه، على العكس من روزماري؛ مع أنها بذلت مجهودا كبيرا، لكن حركتها كانت متأخرة عن خطواته قليلا، وما كان منها سوى محاولة محاكاة ما يجب أن يكون تلقائيا.
بدأت كارين الرقص حول مائدة المطبخ ما إن بدأت الموسيقى، بينما كانت آن تقطع السلطة، وديريك يفتح زجاجة النبيذ. أخذت كارين تغني بمرح وسعادة: «ألحان ورقصات قديمة على أنغام العود»، وتقول: «ستأتي أمي على العشاء، ستأتي أمي على العشاء.»
قال ديريك: «ستأتي أم كارين على العشاء.» ثم رفع يده وقال: «صه، صه. أهذا هو صوت سيارتها الذي أسمعه؟»
قالت آن: «يا إلهي، علي أن أغسل وجهي على الأقل.» ألقت ما بيدها من خضراوات، وهرعت عبر البهو صاعدة الدرج.
ذهب ديريك كي يوقف أسطوانة الموسيقى، لكنه رفع إبرة الفونوغراف ثم أعادها إلى البداية، وعندما شغلها مرة أخرى، ذهب لمقابلة روزماري بالخارج؛ وهو أمر لم يكن معتادا عليه. كانت كارين تنوي الذهاب لمقابلتها بنفسها، لكن عندما فعل ديريك هذا، قررت ألا تذهب وتبعت آن أعلى الدرج، لكنها لم تصعد الدرج كله؛ فعلى منبسط الدرج، كانت هناك نافذة صغيرة لم يكن أحد يتوقف عندها أو يطل منها، وكانت مغطاة بستارة من نسيج رقيق لا يكاد يرى من خلالها من يقف وراءها.
وصلت إلى النافذة بسرعة مكنتها من أن ترى ديريك يخطو على عشب الحديقة، متجاوزا الفجوة التي تتخلل صف الشجيرات. قطع بخفة خطوات طويلة تواقة؛ لعله يصل في الوقت المناسب كي ينحني لها ويفتح باب السيارة بحركة مسرحية ويساعدها في الترجل منها. لم تره كارين يفعل ذلك من قبل، لكنها كانت تدرك أنه تعمد فعل ذلك الآن.
في ذلك الحين، كانت آن لا تزال في دورة المياه - إذ سمعت كارين صوت الدش - وبذلك ما زال أمام كارين بضع دقائق تراقب فيها ما يحدث بالأسفل دون أن يزعجها أحد.
سمعت صوت غلق باب السيارة، لكنها لم تسمع صوتيهما؛ ما استطاعت سماعهما والموسيقى تتردد في جنبات المنزل. كذلك فإنهما لم يصلا إلى الفجوة بين الشجيرات حتى تراهما. وقفت تنتظر وطال انتظارها. •••
ذات مرة، بعد أن فارقت روزماري تيد عادت مرة أخرى، لكنها لم تعد إلى البيت؛ فلم يكن من المفترض أن تعود إليه. حينها أتى تيد بكارين إلى مطعم، وكانت روزماري هناك. تناولا الغداء، وتناولت كارين رقائق بطاطس وعصير الرمان، وأخبرتها روزماري أنها ذاهبة إلى تورونتو؛ لأنها حصلت على وظيفة هناك لدى أحد الناشرين. لم تعرف كارين وقتها معنى كلمة ناشر. •••
ها هما قد أتيا ومرا معا خلال الفجوة التي تتخلل الشجيرات، في حين أنه كان من الأجدر أن يمر أحدهما تلو الآخر. كانت روزماري ترتدي بنطالها الواسع - الشبيه بسروال علاء الدين - من القطن الرقيق الناعم، ولونه وردي بلون التوت البري، وخلاله كانت ظلال ساقيها بادية، أما قميصها، فكان من قماش قطني أكثر سمكا، به زخارف ومطرز بخرز صغير يعكس الضوء كالمرآة. بدت قلقة بشأن شعرها المرفوع لأعلى؛ فقد كانت يدها تتحسسه بحركة عصبية ساحرة لإسدال بعض الخصلات المتموجة، فتتدلى وترفرف على وجهها (بدت كالخصلات المتموجة المتدلية بجانب آذان السيدات المصورات على غلاف الأسطوانة)، وكانت أظفارها مطلية بلون يتماشى مع لون بنطالها.
Unknown page