سار الثلاثة في وسط البلدة على غير هدى حتى وصلوا إلى شارع شيبكا، ليجدوا أنفسهم يمرون بمنزل مبني من الجص ومكون من طابق واحد حيث كان يعيش السيد ويلينس وزوجته. لم يتعرفوا عليه إلا بعد وصولهم أمامه مباشرة. كان للمنزل نافذة بارزة صغيرة على كل جانب من جانبي الباب الأمامي، وكانت آخر درجة في السلم من أعلى تكفي لمقعدين اعتاد السيد ويلينس وزوجته وضعهما عليها في ليالي الصيف، لكنها خلت منهما آنذاك. كان هناك أيضا جزء ملحق بأحد جوانب المنزل ذو سطح مستو، وله باب آخر يطل على الشارع وممشى منفصل يؤدي إليه، وثمة لافتة بجوار الباب مكتوب عليها: «دكتور ويلينس، أخصائي بصريات». لم يكن أي من الصبية الثلاثة قد زار تلك العيادة من قبل، لكن أخت جدة جيمي - ماري - كانت تتردد عليها بانتظام للحصول على قطرات العين الخاصة بها، وجدته أيضا حصلت على نظارتها من هذه العيادة، وكذا فعلت والدة باد سولتر.
كان الجص الذي بني به المنزل من اللون الطوبي، وكانت أطر النوافذ والأبواب مطلية باللون البني، ولم تكن النوافذ الواقية من العواصف قد أزيلت بعد، كما هو الحال في معظم منازل البلدة، ولم يكن هناك أي شيء مميز في ذلك المنزل على الإطلاق، لكن فناءه الأمامي اشتهر بزهوره؛ فقد ذاع صيت السيدة ويلينس لبراعتها في أعمال البستنة؛ إذ لم تكن تزرع الزهور في صفوف طويلة مجاورة لحديقة الخضراوات، مثلما فعلت جدة جيمي ووالدة باد، وإنما كانت تزرعها في أحواض مستديرة وهلالية الشكل، وفي كافة أرجاء الحديقة، وفي دوائر تحت الأشجار. وكان من المنتظر أن تملأ هذه الحديقة في غضون أسابيع قليلة أزهار النرجس البري، لكن في ذلك الوقت، لم يكن شيء قد أزهر بعد في المكان سوى شجيرة زيتون كادت تصل إلى الإفريز في أحد أركان المنزل، وكانت تنثر أوراقها الصفراء في الهواء مثلما تنثر النافورة مياهها.
اهتزت أوراق الشجيرة، لكن ليس بفعل الرياح، وإنما لمرور شخص خرج من المنزل بجانبها. كان منحني الظهر ويرتدي ملابس بنية اللون. لقد كانت السيدة ويلينس في ملابس البستنة القديمة الخاصة بها. كانت سيدة قصيرة ممتلئة الجسم ترتدي بنطالا فضفاضا، وسترة ممزقة، وقبعة ذات حافة، وكانت واسعة على رأسها فنزلت إلى عينيها حتى كادت تخفيهما، لعلها كانت تخص زوجها، وحملت في يديها مجزا.
تقدموا ببطء للأمام؛ فما كان أمامهم خيار سوى ذلك أو الهرب. ولعلهم اعتقدوا أنها لن تلاحظهم، وأنهم سيقفون دون حراك كأنهم أعمدة، لكنها كانت قد رأتهم بالفعل؛ وكان هذا سبب خروجها مسرعة من المنزل.
قالت لهم السيدة ويلينس: «لقد رأيتكم تحدقون في شجيرة الزيتون في حديقتي. هل تريدون الحصول على بعض من أزهارها لتصطحبوها معكم إلى المنزل؟»
لكنهم لم يحدقوا في الشجيرة، وإنما في المشهد بالكامل؛ فالمنزل كان كعادته، واللافتة معلقة بجوار باب العيادة، والستائر تسمح بدخول الضوء إلى المكان. لم يكن هناك أي شيء يستحق التأمل أو ينذر بسوء، أو يدل على أن السيد ويلينس لم يكن موجودا بالداخل أو أن سيارته ليست في الجراج خلف العيادة، وإنما في بركة جوتلند. والسيدة ويلينس أيضا خرجت للعمل في حديقتها كما هو متوقع في ذلك الوقت من العام بعد ذوبان الجليد. نادت عليهم بصوتها المألوف الذي صار خشنا بسبب السجائر، بنبرة مباغتة وتحد، لكنه خلا في الوقت نفسه من العدائية. كان صوتا يسهل التعرف عليه من على بعد.
قالت لهم: «انتظروا، سوف أحضر لكم بعضا منها.»
أخذت تقطف بعض الأفرع ذات اللون الأصفر الزاهي منتقية إياها ببراعة، وعندما حصلت على كل ما تريده، تقدمت نحو الصبية خلف ستار من الأزهار.
وقالت لهم: «تفضلوا، خذوها إلى المنزل لأمهاتكم. إن رؤية هذه الزهور تدخل السرور دوما إلى النفس؛ فهي أول ما يزهر في الربيع.» وقسمت الأفرع بينهم، وهي تقول: «نقسمها إلى ثلاثة أقسام، مثل بلاد الغال قديما. لا ريب أنكم تعلمون ما أعني إذا كنتم تدرسون اللغة اللاتينية.»
فرد عليها جيمي، الذي كان أكثر تأهبا للتحدث مع السيدات مقارنة برفيقيه بسبب طبيعة حياته في المنزل: «لم نلتحق بالمدرسة الثانوية بعد.»
Unknown page