اختيارها المتذبذب - اختيارها الواهم - ينسكب على الأرض كالماء فيتحول ثلجا على الفور ويتخذ شكلا لا يمكن تجاهله. •••
كم يعتصرها الألم! ألم مزمن، سيظل يصاحبها أبد الدهر وإن لم يكن متواصلا. ولعلها لن تموت بسببه. لن تتحرر منه لكنها لن تموت بسببه. لن تشعر به كل دقيقة، لكن لن تمر عليها أيام عدة دون أن تشعر به. ستتعلم بعض الحيل لتطفئ لهيبه أو تبدده، محاولة ألا ينتهي بها الأمر إلى تدمير ما تحملت كل هذا الألم لأجله. ليس هذا خطأه؛ فهو لا يزال بريئا أو همجيا لا يعلم أن في الدنيا ألما مزمنا. فلتقنع نفسها إذن أنها ستفقدهما على أي حال. ستكبران؛ وكل أم تترقب دائما هذه اللحظة المأساوية، السخيفة إلى حد ما. ستنسيان هذه المرحلة، ستتبرآن منها بطريقة أو بأخرى. أو - على العكس - ستظلان معها إلى أن تعجز عن إدراك ما يمكن أن تفعل بشأنهما؛ كما فعل براين.
مع هذا، كم هو ألم شديد سيصاحبها وتعتاده حتى يصير ماضيها فقط هو ما تحزن لأجله، ولا يكون أمامها أي حاضر يمكن أن ترثيه! •••
كبرت طفلتاها ولم تكرهاها لهروبها أو بعدها عنهما، لكنهما لم تسامحاها أيضا. ولعلهما ما كانتا لتسامحاها أبدا على أي حال؛ ولكن لأسباب مختلفة.
تتذكر كيتلن القليل عن ذاك الصيف الذي قضوه في النزل، أما مارا فلا تتذكر شيئا البتة. وذات يوم، أتت كيتلن على ذكر النزل لبولين قائلة عنه: «المكان الذي أقام فيه جدي وجدتي.»
وأضافت: «المكان الذي كنا فيه حين هربت. لم نعرف إلا بعدها بفترة أنك هربت مع أورفيوس.»
قالت بولين: «لم يكن أورفيوس.» «حقا؟ اعتاد أبي أن يقول هذا. كان يقول: «وبعدها هربت أمكما مع أورفيوس».»
قالت بولين: «لعله كان يمزح.» «لقد ظللت أعتقد أنه أورفيوس، ذاك الذي هربت معه. إذن هو شخص آخر.» «كان شخصا آخر له علاقة بالمسرحية، وقد عشت معه فترة.» «ليس أورفيوس.» «نعم، لم يكن هو.»
ثراء فاحش
في مساء إحدى الليالي الصيفية عام 1974 - وحين كانت الطائرة على وشك التوقف عند صالة الوصول - انحنت كارين لتلتقط بعض الأشياء من حقيبة ظهرها؛ قبعة بيريه سوداء اعتمرتها وأمالتها على إحدى عينيها، وأحمر شفاه تزينت به متخذة من زجاج النافذة مرآة - إذ كان الظلام قد حل في تورونتو - ومبسم سجائر طويل أسود اللون أمسكت به لتضعه بين أسنانها في اللحظة المناسبة. كان البيريه ومبسم السجائر من مقتنيات زوجة أبيها، وقد سرقتهما كارين من بين الأشياء التي ارتدتها زوجة أبيها عندما تنكرت في زي إيرما لادوس في إحدى الحفلات. أما أحمر الشفاه، فكانت قد ابتاعته لنفسها.
Unknown page