Hikaya Wa Ma Fiha
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Genres
على الرغم من التأكيد على أن الحوار في السرد ليس نسخة مطابقة للكلام العادي في الحياة اليومية، غير أنه لا بأس من محاكاة بعض خصائص الكلام اليومي، من قبيل إيراد أصوات غير ذات معنى من همهمة وتأوه أو غير ذلك: «إممم، آآآه ...» أو استخدام تفتيت الجملة إلى عبارات مجتزأة غير مكتملة؛ لكي تنقل حالة المتحدث، أو تعزز أسلوبا خاصا بالشخصية: «ولكن ... اسمعني ... أريد أن أقول ...» ومرة أخرى، احذر الإفراط في اللجوء إلى هذه الوسائل.
لكل منا قاموسه
إننا لا نتحدث جميعا بنفس الطريقة أو بنفس مجموعة المفردات؛ لذلك من الضروري أن تنصت في ذهنك إلى شخصياتك المختلفة، وأن تعطي لكلام كل منها طعمه وقاموسه وطريقة تعبيره، بما يتناسب بطبيعة الحال مع تكوينك لملامح هذه الشخصية، وعلى الأخص من الناحيتين الاجتماعية والنفسية. اكتشف ما إذا كانت طريقة الشخصية في التعبير تميل إلى استخدام العبارات القصيرة الحادة التي تصيب عين القصد، أم تجنح لجمل طويلة وملتوية مكتنزة بالوقفات والجمل الاعتراضية.
تبين أيضا طريقة الشخصية في النطق؛ هل تتحدث ببطء أم بسرعة، بوضوح أم بتلعثم وتآكل للحروف، وغير ذلك مما يميز البشر العاديين ولا بد أيضا أن يظهر بدرجة ما على ألسنة شخصياتك، وخصوصا لو عكس ذلك طبائعهم وخصوصياتهم النفسية، فكلما كانت التفاصيل الخاصة بشخصيتك ذات مقصد ودور محدد، صارت ألزم ولا غنى عنها، وليست مجرد إكسسوارات زائدة عن الحاجة لمجرد إضفاء المصداقية والإيهام بالواقع.
ليست أصواتا إذاعية
حين نستمع إلى ممثل في تمثيلية إذاعية، يشتغل خيالنا بحيث نبني على الصوت ما يمكن أن يحيط به من مشهد وصورة، وكذلك شكل وهيئة المتحدث. في الدراما المرئية لا نحتاج إلى هذا؛ أما في السرد، فضع في اعتبارك على الدوام، عند كتابتك جملا حوارية، أن شخصياتك لم تتحول إلى مجرد أصوات إذاعية، وعلى ذلك لا بد أن تكون منتبها إلى الحيز المحيط بها وهيئتها في أثناء الحديث. طبعا سوف نتوقف في فصول تالية مع المشهد والوصف على العموم، لكن فيما يخص كتابة الحوار هنا على الأقل، احرص على أن تقدم للقارئ ما يحتاج إليه من إشارات مختصرة للصورة العامة، وما يمكنه من تخيل شخصياتك في حوارها، فلعل الوضع الجسدي لشخصيتك يغير تماما من مغزى ودلالة ما تقوله، من النقيض إلى النقيض.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بأهمية اللغة الجسدية التي تكمل اللفظ المنطوق وتضيف إليه، أو تعيد صياغته تماما، فلا تغفل عن طريقة جلوس شخصياتك وهي تتحدث؛ ماذا تفعل بذراعيها ويديها، أين تنظر وكيف، حركتها وسكونها وتعبيرات وجهها؛ كل ذلك يجب أن يحسب بميزان حساس حتى لا يأخذ الانتباه بعيدا عن مضمون الحوار نفسه، والإفراط فيه خطر شأن الوسائل السابقة، والأولى أن يكون له دلالة واضحة، وليس مجرد زينة أو حيلة بصرية سهلة.
ألسنة تبوح وتوحي
أنا أفهم مقصدك
ينبغي ألا يقتصر الحوار على كشف أشياء عن المتكلم مما يعرفه عن نفسه وفقط، ولكن أن يكشف أيضا عن أشياء قد لا يكون يعرفها عن نفسه، ولكن يدركها الطرف الآخر في الحوار.
Unknown page