Hikaya Wa Ma Fiha
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Genres
عند حديث الكاتب الأمريكي «سيد فيلد» عن تكوين وبناء الشخصية في كتابه «السيناريو»، يفرق بين مستويين من حياة كل شخصية: الحياة الداخلية والخارجية، ولا يعني بهذا التعارض بين باطن كل شخصية وظاهرها، بل يقصد بالحياة الداخلية تاريخ حياة الشخصية منذ مولدها وحتى لحظة بدء الأحداث أمام أعين المشاهدين؛ الخلفية والتكوين النفسي والاضطرابات والذكريات، إنها البورتريه نفسه أو بطاقة البيانات التي قمت بكتابتها مسبقا. أما الحياة الخارجية، فهي كل ما يراه المشاهد من تصرفات وأفعال وأقوال تقوم بها الشخصية من بدء الأحداث لمنتهاها، وهذه هي حكايتنا، التي لا بد أن تعكس أهم ما يتعلق بالحياة الداخلية؛ أي إننا نتعرف تدريجيا على ذلك الماضي والخلفية في سياق الحركة والحكاية، دون استغراق في التوقف أو استرجاع الماضي إلا للضرورة.
لمحة عن الإظهار والإخبار
لديك أكثر من وسيلة وأداة من أدوات السرد، لكي تحول البورتريه الصامت للشخصية إلى كائن حي، وجميعها تنطلق من الإظهار، وتعود إليه. وكثيرا ما سوف نسمع في دروس الكتابة وكتب السرد التعليمية ضرورة اللجوء إلى العرض أو الإظهار
Showing ، وليس النقل أو الإخبار
Telling ، وهي حكاية أخرى يطول شرحها. وباختصار قد يكون مخلا، فبدلا من أن تقول: «كان العم علي يحب الأطفال ويحبه كل الأطفال.» وهي طريقة الإخبار؛ أي إن ما يرد في العبارة مجرد خبر قابل للتصديق والتكذيب، يستحسن في السرد الاعتماد على الإظهار، بأن ترسم صورة حية تنقل هذا المعنى، فتقول مثلا: «ما إن يظهر العم علي عند ناصية الشارع، حتى يهرع إليه أطفال عائلته ومعهم بعض أبناء الجيران، في انتظار أن يمطرهم كالعادة بالحلوى والمفاجآت والحيل اللذيذة.» هذه صورة يراها القارئ مباشرة دون وساطة من كاتب يعرف وينقل له الخبر، صورة إذا ما كتبت جيدا، بكل عناصر المشهد الحيوية، فلن تقبل التكذيب، وسوف يتفاعل معها القارئ بخياله ووعيه وحواسه مباشرة.
لكن يجب التأكيد هنا أيضا - ومن جديد - أنه لا قواعد مطلقة ونهائية في أي فن، وخصوصا الكتابة السردية، ويمكن كتابة أعمال أدبية مهمة بالاعتماد على الإخبار بصورة أساسية، أو بالمزج بينه وبين الإظهار، لكن هذه - كما قلنا - حكاية أخرى يطول شرحها.
مرحبا مدام باكينام
جبل الجليد
في كتاب إرنست هيمنجواي «موت في الظهيرة» شدد على ضرورة معرفة الكاتب لكل شيء ممكن عن شخصياته، لكنه يعود للتأكيد على المسافة الواجبة بين ما يعرفه الكاتب عن شخصياته وما يقدمه للقارئ قائلا:
إذا كان كاتب النثر يعرف ما فيه الكفاية عما يكتب عنه، فقد يحذف أمورا يعرفها هو، وسوف ينتقل إلى القارئ إحساس قوي بتلك الأمور كما لو أن الكاتب قد أوردها في نصه. ترجع مهابة حركة الجبل الجليدي العائم إلى أنه لا يظهر منه فوق سطح الماء إلا ثمنه، أما الكاتب الذي يحذف أمورا لأنه غير ملم بها، فكل ما يفعله هو أنه يترك مواضع جوفاء في كتابته.
Unknown page