لم تجد كل مضادات الاكتئاب، لم تجد كل نظريات علم النفس، لم يجد الزمن ولا النسيان، كانت تزداد حزنا يوما بعد يوم.
تمكن منها الاكتئاب، حتى بت أخشى أن أتركها لوحدها، تلاشت منها الحياة منذ وفاة «منى»، أصبحت جسدا بلا روح.
فقدت كل شيء حقا.
وتذكرت «عمار».
كان يبكي في حرقة بعد أن انتهت الجلسة الأخيرة، وأنا أرمقه في صمت، لم أشأ أن أقاطعه، كانت المرة الأولى التي أراه فيها بهذا الضعف، منكمشا على نفسه في الأريكة، يبكي بطريقة تقطع نياط القلوب.
تحطم غلاف البرود والتعالي الذي كان يلف به نفسه، عاد طفلا صغيرا يبكي فقدان أهله.
مرت ربع ساعة كاملة قبل أن يخفت صوت نشيجه، جلس على الأريكة وراح يرمق الأرض في شرود بعينين حمراوين كالدم، وإن عاد وجهه يكتسي غلاف البرود السابق، قال دون أن ينظر لي، كأنه يتحاشى نظراتي: «كيف نسيت شيئا كهذا؟»
قلت له: «لم تنس.» - «إذن، لماذا لم أتذكره إلا الآن؟» - «أنت لم تنس، لقد كانت صدمة قوية جدا، أقوى من أن تتحملها نفسك، لذلك قمت لاشعوريا بكبتها ودفنها في عقلك الباطن. إن فقدان الذاكرة
Amnesia
من أهم حيل الدماغ الدفاعية؛ لتجاوز الصدمات العاطفية القوية، أسلوب عقلك الخاص؛ ليحفظ لك اتزانك النفسي حتى لا ينهار جهازك العصبي كله، وتهيم على وجهك في الطرقات ذاهلا يقذفك الأطفال بالطوب . أنت رأيت أشياء أقوى من أن يتحملها طفل بعمرك، أقوى من أن يتحملها أي شخص إن أردت رأيي، أعتقد أنه كان تصرفا حكيما بعد كل شيء.»
Unknown page