بدأ يشعر بالغثيان، وبدت الأصوات تخفت تدريجيا من حوله، ولدهشته بدأ يشعر بالانفصال عن المكان، يشعر أنه ليس هنا فعلا، ما يحدث مجرد سراب بعيد، هو ليس هو.
يا بلادي، يا بلادي
يا بلادي، يا بلادي
يا بلادا حوت مآثرنا، كالفراديس فيضها منن
فجر النيل في أباطحها، يكفل العيش وهي تحتضن
تعلمين يا سيدتي أن «عمار» لم يكن يعرف شيئا عن «اضطراب الآنية»، وبالتأكيد لا يهمه أن يعرف مصطلحا متحذلقا يصف شعوره بكلمات مركبة حينها، لكن تلك اللحظات الكابوسية كانت أكبر من قدرته على الاستيعاب، أستطيع تخيل النظرة الذاهلة الخالية من أي تعبير التي راح يرمق بها أمه تصرخ فيه بشيء ما، وهي تهزه من كتفه هزا، وهي تضع أخته في حجره.
كان يحدق مشدوها في ذرات التراب الدقيقة التي تتراقص بلا هدى، في قلب حزمة من ضوء الشمس الداخل عبر ثقب بسقف القطية.
وعلى نحو ما، بدا له المنظر ساحرا.
فجأة، وبدون سابق إنذار عادت كل الأصوات حوله دفعة واحدة، عاد إحساسه بالواقع، وعاد شعوره بالرعب. وسمع أمه تصرخ فيه: «دافع عنها بحياتك يا عمار.»
ونظرت له نظره طويلة لن ينساها، ثم قبلت أخته، واندفعت للخارج.
Unknown page