وحدها هي من عرفت أن الكلمات تخصها، فاحمرت وجنتاها وأطرقت للأرض خجلا، ثم انسحبت من المكان بسرعة هربا من نظراته. ثم رويدا رويدا بدأت تحضر الحلقات التي يقيمها على نحو منتظم. تنظر له في إعجاب، فيزداد أداؤه حماسا، ويلقي بأول قصيدة تقفز لذهنه، فتشعر بالخجل مجددا، ويزداد تصفيق الحضور حرارة. قال لي: «كنت أعرف أنها السبب الرئيسي لاستمراري في تلك الحلقات، علني أظفر برؤياها وأسترق نظرة شاردة أو ابتسامة من ثغرها الجميل. كان حضورها يدفعني دوما لتخطى إمكانياتي، ومحاولة إثارة إعجابها في كل مرة.»
ومع نهاية العام الدراسي الأول، وبداية العام الثاني، وفي يوم صيفي حار، صارحها بحبه لها.
ولم ترد. فقط التمعت عيناها بذلك البريق الخافت، وراحت تحدق في المنديل الورقي الذي تمسكه في يدها بخجل، وإن بدت السعادة بوضوح على وجهها الطفولي التقاطيع. عرف واطمأن وقتها أنها تبادله نفس المشاعر.
أحب تلك التقطيبة التي تظهر بين حاجبيها عندما تفكر أو تتظاهر بالدلال، وتلك اللمعة الخافتة في عينيها الساحرتين عندما تنظر له وفي عينيها ألف حديث وحديث، أحب طريقة إشاحتها بوجهها عنه، وعندما تضربه في كتفه برقة عندما تشعر بالخجل. أحب الطريقة التي تغمض بها عينيها عندما تضحك في قصص «إبراهيم» المختلقة.
أحب «إبراهيم»؛ لأنه يضحكها، فتشع كل هذا السحر.
أحب الضحكة ذاتها.
عشق غيرتها، وأحلامها، وطموحها، وجنونها، ودلالها. أحب الاستماع بلا كلل لساعات عن تفاصيل يومها، ماذا قالت لصديقتها؟ وماذا قالت تلك لها؟ فيم كانت تفكر قبل النوم، وبعد النوم؟ آراؤها في الحياة، ماذا تحب وماذا تكره؟ ورغبتها الدائمة في سماعها ترديده عبارات الحب كتعهد يومي، حتى يثبت صدق مشاعره وأنه لم يتغير بعد. أحب طريقة عتابها له عندما تقطب حاجبيها كالأطفال وتلتصق به وتسند رأسها على صدره وهي تعبث في أزرار قميصه.
عشق تلك التفاصيل الصغيرة.
لكنه كان متعبا جدا بفكرة محدودية علاقتهما.
يرهقه شعوره الدائم بأنه ليس ملائما لها.
Unknown page