وسمعت أصوات تصفير، وأصوات تكبير، وهتافات مختلطة غير مفهومة.
لا بد أنها مظاهرة تتكون الآن.
أصوات رصاص بعيدة تحملها رياح الليل. ثم يعود السكون.
قال دون أن يلتفت لي: «كانت شرارة سبتمبر بعض الأمل الذي فقدوه. عرفوا مدى هشاشة ذلك الفيروس الشيطاني الذي ظل يتخلل مسام جسدهم ربع قرن من الزمان. رأوا ضعفه أمام حفنة من طلاب الثانوي والجامعة العزل إلا من بعض إيمانهم.
عرفوا أنه - كأي فيروس في الواقع - يقوى ويستمر على حساب ضعف الجسد المضيف. يقوى بشعورنا بالأفضلية تجاه إخواننا في ذات الوطن المختلفين عنا في اللون درجة، وفي الدين مذهبا، وفي القبيلة مسمى.
تستحكم قبضته المستبدة على أعناقنا، كلما نبذ بعضنا بعضا بمسميات الأفضلية القبلية، والتفاضل الديني، ونقاء الدم وعراقة الأصل. وننسى أننا على ذات المركب الغارق.
وبينما نشغل أنفسنا في مجالسنا، وفي صفحاتنا على الفيسبوك بتوافه الأشياء، يزداد من خلفنا الطوفان الذي سيبتلعنا جميعا.»
أغمغم لنفسي وأنا أتحاشى النظر إليه: «سيشوهون سيرتك وسيرتهم، سيلبسون عليكم مسوح الشياطين، ويصفونكم بالعمالة والارتزاق، وكل ما ليس فيكم.» - «لا أحد سيصدقهم.» - «بل سنصدقهم.»
أقولها في عصبية، ثم أشعل سيجارة. أدرك سخافة موقفي الآن فيما لو دخل علي أحد الزملاء، ووجد الطبيب الأشيب الوقور يتحدث إلى نفسه!
أضيف بنفس العصبية: «اكذب واكذب واكذب؛ حتى يصدقك الناس. نظرية وزير الإعلام النازي «جوبلز» إياها. وهم يا صاحبي يكذبون بوجه صلب، يكذبون بوقاحة، يكذبون بأعصاب باردة، ويبيعوننا أكاذيبهم صحفا يومية ندفع مقابلها من قوت أولادنا.
Unknown page