فلماذا يؤنبني ضميري إلى هذا الحد؟ كأنه يلومني على ما اقترفته يداي!
بعد ثلاثين عاما في الطب النفسي أعجز أحيانا عن فهم نفسي، وطبيعة مشاعري.
لكنني على الأقل أعرف الآن أن «عمار» لم ينتحر.
أعترف يا سيدتي بأنني كنت مخطئا في كل ما يخصه تقريبا، لكنني أحسن الحكم على البشر، وهو لم يكن من نوع الأشخاص الذين يقتلون أنفسهم .
ليس من النوع الذي ترتسم النظرة المجنونة على وجهه، أو يضحك في هيستريا قبل أن يقذف بنفسه في غياهب البحر.
أعرف أنه شخصية معتلة جدا، مشوهة جدا. وتحكمه أحيانا دوافع سايكوباتية مضادة للمجتمع ينجح جيدا في قمعها، هناك دائما ذلك الدافع الخفي لكراهية كل المجتمع الذي لم يقف معه في محنته بنحو أو بآخر، الكل كان متواطئا مع الجنجويد فيما حدث له، ولو كان بالصمت وعدم الإدانة. فلا أصدق لحظة أن توجهاته السياسية المضادة للحكومة هي من قبيل النضال الخالص.
لو أردت رأيي يا سيدتي: فهو كان يحاول تصفية ثأر شخصي، النيل ممن تسببوا في معاناته وآلامه. ومن يفكر بالانتقام - يقولون - يجب أن يحفر قبرين مسبقا.
لكنني لا أملك إلا التعاطف معه، فبرغم كل شيء كان ضحية أقداره السيئة.
قال «إبراهيم»، وهو يعود ليجلس جواري بعد أن انصرف أصدقاؤه: «رحت أمسح الدم من وجهه بطرف قميصي، فيما أغمض هو عينيه، واستكان جسده على رجلي.»
مرت فترة من الصمت، لا أدري كم هي. تناهى إلى مسامعي صوت شخص ما يصرخ في إحدى الزنازين، شخص يخضع للتعذيب في هذه اللحظة بالذات، ويعلم الله ما الذي يفعلونه به. صوت ضربات مكتومة، يتكرر الصراخ، ثم يسود صمت رهيب.
Unknown page