Hegel Muqaddima Qasira
هيجل: مقدمة قصيرة جدا
Genres
Geist
ليس كحديث عن كائن روحي مميز، لكن كمساهمة في الجدل الفلسفي الطويل حول طبيعة العقل. وبناء على ذلك، قمت في هذا الكتاب بالعودة إلى ممارسة الجيل الأول من مترجمي أعمال هيجل وترجمت
Geist
على أنها «العقل». وسنرى ونحن نتقدم في الكتاب المعنى الذي يجب إدراك مفهوم هيجل من خلاله.
مهمة كتاب «فينومينولوجيا العقل»
إن كون عرضي لآراء هيجل حتى الآن غير كامل على نحو كبير هو أمر يمكن إدراكه عن طريق العودة إلى سؤال تجاهلته في بداية مناقشة فلسفة هيجل بشأن التاريخ، وهو: لماذا تاريخ العالم ليس إلا تقدم الوعي بالحرية؟ يبحث هذا السؤال عن إجابة. ينكر هيجل صراحة - وقد يبدو على أي حال خارج نمط أفكاره ككل - أن يكون مسار التاريخ نوعا من المصادفة السعيدة. ويؤكد هيجل أن ما يحدث في التاريخ يحدث بالضرورة. ماذا يعني هذا؟ كيف يمكن أن يكون حقيقيا؟ يجيب هيجل عن ذلك بقوله إن التاريخ ليس إلا تقدم الوعي بالحرية؛ لأن التاريخ هو تطور العقل. في كتاب «فلسفة التاريخ»، لم يشرع هيجل في شرح هذا المفهوم؛ لأنه كان قد نشر بالفعل مجلدا كبيرا وكثيفا للغاية بغرض توضيح ضرورة تطور العقل على النحو الذي يتطور به بالفعل؛ ذلك المجلد هو كتاب «فينومينولوجيا العقل»، وأطلق عليه كارل ماركس «أصل وسر فلسفة هيجل الحقيقي». وقد كان آخرون، الذين أحبطهم الكتاب بصفحاته السبعمائة والخمسين من النثر المحير والملتوي، قانعين بترك الأسرار التي يحتويها هذا الكتاب أيا كانت كما هي دون أن تكون هناك محاولة لكشفها. ومع ذلك، لا يوجد أي حديث عن هيجل يمكن أن يتغاضى عنه ويكون الأمر مقبولا.
إن نقطة الانطلاق البديهية التي يمكن أن نبدأ منها هي عنوان الكتاب. يخبرنا «قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية» أن كلمة
phenomenology ؛ أي «فينومينولوجيا»، تعني «علم الظواهر، متميزا عن ذلك الخاص بالوجود.» كل هذا جيد جدا إذا كنا على دراية بالفارق بين «الظواهر» و«الوجود». أما أولئك الذين ليسوا على دراية بهذا الفارق، فيخبرنا القاموس ذاته بكرم أن كلمة
phenomenon ؛ أي «الظاهرة»، تعني في استخدامها الفلسفي «الشيء الذي تلاحظه الحواس أو العقل مباشرة؛ أي شيء يدرك مباشرة (مميزا عن المادة أو شيء في ذاته).» يمكن توضيح الفارق الذي حددناه هنا عن طريق تأمل الفارق بين القمر كما يبدو لناظري والقمر كما هو في الواقع. في ناظري، بدا القمر ليلة أمس كهلال فضي لا يتجاوز حجمه حجم كرة التنس، أما في الواقع فهو بالطبع جسم صخري يصل قطره إلى آلاف الكيلومترات. فالهلال الفضي هو الظاهرة. إذن فالفينومينولوجيا هو دراسة الطريقة التي تبدو لنا عليها الأشياء.
إذا كان الفينومينولوجيا هو علم يعنى بدراسة الطريقة التي تبدو لنا عليها الأشياء؛ فإذن يمكننا أن نخمن أن «فينومينولوجيا العقل» ستكون دراسة الطريقة التي يبدو لنا عليها العقل. قد يكون مثل هذا التخمين صحيحا، لكن هناك حيلة هيجلية نموذجية يجب إضافتها. عندما ندرس كيف يبدو لنا عقلنا، يمكننا فقط دراسة كيف يبدو لعقولنا. إذن ففينومينولوجيا العقل في حقيقة الأمر هي دراسة كيف يبدو العقل لذاته. وعلى ذلك، يتتبع كتاب هيجل «فينومينولوجيا العقل» أشكالا مختلفة من الوعي، مستعرضا كلا منها من الداخل - إذا جاز التعبير - وموضحا كيف تطورت أشكال أكثر تقييدا من الوعي بالضرورة إلى أشكال أكثر ملاءمة. هيجل نفسه يصف مشروعه بأنه «عرض المعرفة بوصفها ظاهرة»؛ لأنه يرى أن تطور الوعي هو تطور نحو أشكال من الوعي يمكنها إدراك الواقع بصورة أكثر شمولا حتى بلوغ الذروة بتحقيق «المعرفة المطلقة».
Unknown page