91

Hayati Caziza

حياتي العزيزة

Genres

كان هذا يجعل الأمور بسيطة للغاية؛ فلقد أمضيت كل سنوات دراستي، كما تراءى لي، في الاعتياد على مظهري - أي مظهر وجهي - وعلى مظهر الأشخاص الآخرين مقارنة به. كنت أعتقد أنه انتصار من نوع ما أن أنجح في ذلك، وأن أعرف أنه بمقدوري التعايش هنا وكسب قوت يومي، وألا يكون علي باستمرار أن أعتاد على أناس جدد. ولكن أن نعود جميعنا للصف الرابع ونتوقف عند تلك المرحلة، لا، لم أكن أريد ذلك.

ومن تكون أونيدا حتى تكون لها آراء سديدة؟ لم يبد لي أنها قد استقرت بعد؛ ففي الواقع، لقد ضاع منها المنزل الكبير، وضاع معه جزء كبير منها. وكانت البلدة تتغير، ومكانها بها كان يتغير هو الآخر، وهي بالكاد كانت تعرف ذلك. بالطبع كانت هناك دائما تغيرات تطرأ، لكن في الأوقات التي سبقت الحرب كان التغير يتمثل في ترك أهل البلدة لها للبحث عن فرص أفضل في مكان آخر، أما في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فتبدلت أحوال البلدة من خلال النوعيات الجديدة من الأشخاص الذين توافدوا إليها. قد تعتقد أن أونيدا كانت ستقر بذلك عندما ذهبت للعيش في العمارة السكنية، لكنها لم تدرك ذلك على الإطلاق؛ فما زال فيها ذلك التردد الغريب والطيش، كما لو أنها كانت تنتظر الحياة لتبدأ.

كانت تذهب بالطبع في رحلات خارج البلدة، وربما اعتقدت أن الحياة كانت ستبدأ هناك، لكن هذا لم يحدث. •••

وخلال تلك الأعوام عندما شيد مركز التسوق الجديد على الأطراف الجنوبية للبلدة، وأغلق متجر آل كريبس (لم يكن ذلك يمثل مشكلة لي؛ فقد كان لدي الكثير من الأعمال التي كانت تمكنني من الاستغناء عن العمل به)، بدا أن هناك المزيد والمزيد من الأشخاص في البلدة الذين كانوا يذهبون في رحلات في فصل الشتاء، وكان هذا يعني الذهاب إلى المكسيك أو جزر الهند الغربية أو أي مكان لم نعتد السماع عنه. وتكون النتيجة، في رأيي، العودة محملين بأمراض لم نعتد السماع عنها أيضا، وقد حدث ذلك لفترة ما. ربما يتم الإعلان عن انتشار مرض ما في كل عام، ويكون له اسم مميز خاص به، وربما لا تزال تلك الأمراض منتشرة، لكن لم يعد أحد يلاحظها كثيرا الآن، أو أن الأشخاص ممن هم في مثل عمري الآن قد تخطوا مرحلة الملاحظة. يمكن أن تثق في أنك لن تموت بسبب مرض خطير؛ لأنه لو كان هناك مرض خطير، لكنت قد أصبت به ومت الآن.

وفي إحدى الأمسيات نهضت في نهاية أحد البرامج التليفزيونية كي أعد لكلينا قدحين من الشاي، وذلك قبل أن تغادر أونيدا إلى منزلها. واتجهت نحو المطبخ وفجأة شعرت بألم شديد، ترنحت وسقطت على ركبتي ثم على الأرض. جذبتني أونيدا وعاونتني على النهوض والجلوس فوق أحد المقاعد، واستعدت الوعي. أخبرتها بأن تلك النوبات كانت تنتابني في بعض الأحيان، وأنه لا داعي للقلق. وتلك كانت كذبة، ولا أدري لم قلت هذا، لكنها لم تصدقني على أية حال. اصطحبتني إلى غرفتي الموجودة بالطابق السفلي حيث خلدت إلى النوم، وقد خلعت عني حذائي، ثم ساعدتني - بعد قليل من الاعتراض من جانبي - في خلع ملابسي وارتداء ملابس النوم. كنت أدرك الأشياء من حولي بصعوبة. طلبت منها أن تستقل إحدى سيارات الأجرة وتعود إلى منزلها، لكنها لم تعر كلامي أي اهتمام.

نامت في تلك الليلة على الأريكة المتواجدة في غرفة المعيشة، وبعد استكشاف بقية غرف المنزل في اليوم التالي أقامت في غرفة نوم والدتي. لا بد أنها ذهبت إلى شقتها خلال النهار كي تحضر بعض الأشياء التي تحتاجها، وربما ذهبت أيضا إلى المركز التجاري من أجل شراء بعض البقالة كي تكمل بها ما ينقصني من أشياء. كما أنها تحدثت أيضا إلى الطبيب، وأحضرت بعض الأدوية من الصيدلية، وقد كنت أتناولها عندما كانت تعطيني إياها.

انتابتني لبقية الأسبوع حالة من فقدان الوعي واستعادته والإعياء والحمى. كنت بين الحين والآخر أخبرها بأنني شفيت، وأن باستطاعتي تصريف أموري بنفسي، لكن لم يكن هذا صحيحا؛ فقد كنت معظم الوقت أطيع أوامرها وأعتمد عليها بنفس الأسلوب الذي يعتمد فيه المرء على إحدى الممرضات في المستشفى. لكن لم تكن لديها نفس مهارة الممرضة في التعامل مع الجسم المحموم، وإذا ما توافرت لدي الطاقة في بعض الأحيان، كنت أتذمر كطفل في السادسة من عمره، وكانت تعتذر حينها ولا تشعر بأي استياء. وعندما كنت أخبرها بأني أصبحت أفضل، وأن عليها أن تعود إلى منزلها، كنت أنانيا بدرجة تجعلني أنادي عليها بلا سبب سوى أن أطمئن أنها كانت لا تزال متواجدة.

ثم أصبحت على نحو أفضل، وشعرت بالقلق من أن تلتقط المرض الذي أصابني، أيا كان نوعه. «ينبغي أن ترتدي كمامة طبية.»

قالت: «لا تقلق. لو كنت قد التقطت أي شيء، لظهر علي الآن بالفعل.»

وعندما شعرت لأول مرة بأني قد أصبحت أفضل بالفعل، كنت أتوانى في الاعتراف بحقيقة أنني أشعر أحيانا كما لو أنني طفل صغير مرة أخرى.

Unknown page