شعر زوج خالتي بالرضا للحظة ، وقال إنه يجب علينا أن نتوقف عن الحديث في هذا الموضوع؛ لأنه هو ذاته بحاجة إلى أن يعود إلى عيادته ليمارس أعماله الصالحة بحلول الساعة الواحدة.
أعتقد أن خالتي أمسكت حينها بشوكتها وشرعت في الأكل. لقد كانت ستنتظر حتى تنتهي تلك المشاحنة؛ قد يكون ذلك بدافع العادة، أكثر منه بدافع الانزعاج من وقاحتي. لقد كانت معتادة على الانتظار حتى تتأكد من أن زوجها قد انتهى من كل ما يبغي قوله، وحتى لو تحدثت إليها بطريقة مباشرة، كانت تنتظر وتنظر إليه لترى إن كان يريد أن يجيب هو نيابة عنها. وكان دائما كل ما تتفوه به مبهجا، وكانت تبتسم بمجرد أن تعرف أنه لا بأس من ابتسامها؛ لذا كان من الصعب أن يعتقد المرء أنها شخصية مقهورة. وكان من الصعب أيضا الاعتقاد بأنها أخت أمي؛ لأنها كانت تبدو أصغر سنا، وأكثر نضارة وهنداما، إضافة إلى أنها كانت دوما توزع تلك الابتسامة الوضاءة.
أما أمي فكانت تسبق أبي في الحديث إن كان لديها شيء تريد أن تفصح عنه حقا، وكان هذا ما يحدث في العادة. وكان أخواي - حتى ذاك الذي كان يقول إنه يفكر في اعتناق الإسلام كي يؤدب النساء - ينصتان إليها دائما معتبرين إياها مكافئة لهما.
كانت أمي تقول في محاولة منها لأن تكون محايدة: «إن حياة دون مكرسة لخدمة زوجها.» أو قد تقول في غلظة: «إن حياتها تدور في فلك هذا الرجل.»
كان هذا شيئا قد قالته في ذلك الوقت، ولم يكن يقصد من ورائه دائما أي نوع من الإساءة، لكني لم أر امرأة تبدو بهذا القدر من الصدق كالخالة دون.
كانت أمي تقول إن الأمر كان سيختلف تماما، بالطبع، لو رزقا بأطفال.
لنتخيل هذا؛ أطفال يعترضون سبيل العم جاسبر، ويسعون بقوة من أجل الحصول على جزء من اهتمام أمهم، وتراهم يمرضون، ويتجهمون، ويشيعون الفوضى في المنزل، ويرغبون في تناول طعام لا يفضله هو.
هذا درب من المستحيل؛ فالمنزل ملكه هو فقط، وقائمة الطعام هو الذي يختارها، وكذلك برامج التليفزيون والراديو. وحتى لو كان في عيادته بالجوار، أو في زيارة منزلية، يجب انتظار موافقته قبل القيام بأي شيء.
لكن شيئا فشيئا أدركت أن هذا النظام يمكن أن يكون نظاما مريحا للغاية؛ فها هي الملاعق والشوكات الفضية الخالصة اللامعة، والأرضيات الداكنة اللون المتلألئة، والأغطية الكتانية الباعثة على الراحة؛ كانت كل تلك الأشياء المنزلية الرائعة تشرف عليها خالتي، وتعمل برنيس الخادمة على نظافتها والحفاظ عليها. كانت برنيس تقوم بكل أعمال الطهي وكي مناشف المائدة؛ كان كل الأطباء الآخرين في البلدة يرسلون الأغطية الكتانية خاصتهم إلى المغسلة الصينية، بينما كانت برنيس والخالة دون نفسها تعلقان أغطيتنا على حبل الغسيل، وهكذا تصبح ذات لون أبيض زاه عند تعرضها للشمس، وعطرة من أثر الريح، وكذا تجد كل الملاءات وما شابهها فائقة النظافة وذات رائحة جميلة. كان زوج خالتي يرى أن الآسيويين الصفر يضعون الكثير من النشا عند غسلهم تلك الأشياء.
وكانت خالتي تقول بصوت هادئ يحمل بعض المزاح، كما لو أنه كان يجب عليها أن تعتذر لكل من زوجها ومن يعملون في المغسلة: «إن اسمهم الصينيون.»
Unknown page