113

Hayati Caziza

حياتي العزيزة

Genres

ألقى بحقيبته ورآها وهي تستقر بين القضبان تماما. ليس ثمة خيار الآن؛ فالقطار لن يهدئ من سرعته أكثر من ذلك.

لذا انتهز الفرصة. كان شابا ذا بنية قوية، خفيف الحركة كعهده دائما، لكن القفزة - سقوطه على الأرض - أحبطته؛ لقد كانت أصلب مما تخيل، فقد جعله ثباته يندفع إلى الأمام، واستقرت راحتاه بقسوة على الحصب الموجود بين العوارض، مما أدى إلى خدش جلده. كان هذا بسبب شعوره بالقلق.

غاب القطار عن الأنظار الآن، وترامى إلى مسامعه صوته وقد زاد من سرعته قليلا بعدما تجاوز المنعطف. بصق على يديه المخدوشتين وراح يزيل الحصب بعيدا عنهما، ثم رفع حقيبته وشرع في أن يعود أدراجه في نفس الاتجاه الذي كان قد قطعه لتوه بالقطار. لو كان قد تعقب القطار لوصل إلى محطة كلوفر تماما بعد حلول الظلام. لا يزال قادرا على التبرم من أنه قد غط في النوم واستيقظ مشوش الذهن معتقدا أن النوم غلبه أثناء محطته، بينما لم يفعل. قفز وهو مرتبك تمام الارتباك، ثم كان عليه أن يسير.

كان سيعتقد هذا لأن العودة من مسافة بعيدة جدا، العودة للوطن من الحرب، كفيلة بأن تجعل الأمور مشوشة في ذهنه. لكن الوقت لم يتأخر بعد؛ فقد كان سيصل إلى المكان الذي من المفترض أن يذهب إليه قبل منتصف الليل.

لكنه كان يسير في الاتجاه الخاطئ طوال الوقت الذي فكر فيه على هذا النحو.

لم يكن يعرف العديد من أسماء الأشجار؛ هناك أشجار القيقب التي يعرفها الجميع، وأشجار الصنوبر، وليس هناك المزيد. اعتقد أن المكان الذي قفز به هو إحدى الغابات لكنه لم يكن كذلك. كانت الأشجار تمتد بطول الطريق فحسب وتزداد كثافتها عند الجسر، لكن كان بمقدوره أن يلمح وميض الحقول من ورائها، وكان لون الحقول أخضر أو أحمر مائلا للون الأصفر أو أصفر؛ فقد كانت مراعي أو محاصيل، أو بقايا زرع بعد الحصاد. لم يكن يعرف سوى هذا فقط، وقد كان لا يزال في شهر أغسطس.

بمجرد أن تلاشى ضجيج القطار أدرك أن المكان لا يسوده ذلك الهدوء الأمثل الذي كان يمكن توقعه؛ فهناك الكثير من الإزعاج هنا وهناك؛ صوت أوراق أغسطس الجافة وهي تهتز لكن ليس بفعل الرياح، وضجيج بعض الطيور التي لم يكن يراها، ذاك الضجيج الذي بدا وكأنه يعاقبه.

من المفترض أن يكون القفز من القطار لحظة انفصال؛ فأنت تحرك جسدك، وتهيئ ركبتيك، لكي تدخل في كتلة مختلفة من الهواء؛ إنك تتطلع إلى الخواء. لكن ماذا تحصل بدلا من ذلك؟ تحصل على بعض من الأجواء المحيطة الجديدة التي تأتيك على عجل وتحاول جذب انتباهك بطريقة لم تفعلها حينما كنت جالسا في القطار وتتطلع فقط خارج النافذة. ماذا تفعل هنا؟ إلى أين أنت ذاهب؟ شعور بأنك مراقب من أشياء لا تعرف عنها شيئا، شعور بأنك مصدر إزعاج. وتأتي الحياة من حولك ببعض الاستنتاجات عنك من خلال نقاط مراقبة ليس بمقدورك أن تراها.

بدا أن الأشخاص الذين التقى بهم في السنوات القليلة الماضية كانوا يعتقدون أنه ما لم يكن المرء من المدينة، فهو من الريف. وهذا ليس صحيحا؛ فهناك بعض الفروق التي يمكن أن تفوتك بين الريف والمدينة إن لم تكن قد عشت في الريف؛ فجاكسون نفسه كان ابنا لسباك، ولم يخط داخل إسطبل طوال حياته، أو قام برعي الأبقار، أو تجميع حزم الحبوب، أو وجد نفسه كما هو الآن يمشي بخطى متثاقلة عبر قضبان السكك الحديدية التي بدت وكأنما حادت عن هدفها الطبيعي المتمثل في نقل الأفراد والبضائع، لكي تصبح منطقة تغطيها أشجار التفاح البرية وشجيرات التوت الشائكة وعناقيد العنب المتدلية والغربان - لقد كان يعرف اسم هذا النوع من الطيور على الأقل - التي تنعق من أماكن عالية لا تستطيع رؤيتها. والآن ثمة واحدة من أفاعي الغرطر التي تزحف بين القضبان، والتي كانت على ثقة تامة من أنه لن يكون بالسرعة الكافية التي تمكنه من السير فوقها وقتلها. كان لديه من المعرفة ما يمكنه من إدراك أنها لا تضر، لكن تلك الثقة أثارته. •••

كانت البقرة الجيرزي الصغيرة، التي تدعى مارجريت روز، تأتي عادة عند باب الحظيرة لكي تحلب مرتين في اليوم؛ صباحا ومساء. وفي الغالب لم تكن بيل بحاجة إلى إحضارها، لكن في هذا الصباح كان هناك شيء ما يثير اهتمامها بشدة أسفل منحدر عند حقول المرعى أو في الأشجار التي تخفي قضبان السكك الحديدية على الجانب الآخر من السياج. لقد سمعت صفير بيل ثم نداءها وشرعت في السير نحوها مرغمة، لكنها قررت بعد ذلك أن تعود لكي تلقي نظرة أخرى.

Unknown page