لِلتَّلَذُّذِ بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ.
وَعَدَّلَ عَنْ الْحَمْدِ لِلَّهِ الصِّيغَةَ الشَّائِعَةَ لِلْحَمْدِ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ.
ــ
[حاشية العطار]
التَّفْضِيلِ الْمُعَرَّفُ بِأَلْ كَالْمُضَافِ لَا يُسْتَعْمَلُ بِمِنْ فَيُؤَوَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّ " أَلْ " زَائِدَةٌ أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَدْخُولَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَوْ بِأَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَخْصَرَ مُقَدَّرٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالْمَذْكُورِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ
وَلَسْتَ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًا ... وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَنُظِرَ فِي التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ بِصَيْرُورَةِ مَدْخُولِ " أَلْ " نَكِرَةً فَيَلْزَمُ نَعْتُ نَحْمَدُ اللَّهَ وَهُوَ مَعْرِفَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَفْظُهُ بِالنَّكِرَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ (وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ) بِجَعْلِهِ بَدَلًا أَوْ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ قِيلَ وَهَلْ يُرَدُّ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا جِنْسِيَّةٌ؛ لِأَنَّ مَدْخُولَهَا لَهَا فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ مَدْخُولَا " أَلْ " الْجِنْسِيَّةِ فِي حُكْمِ النَّكِرَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ إجْرَاؤُهُ مَجْرَاهَا نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ إجْرَائِهِ مَجْرَى الْمَعْرِفَةِ نَظَرًا إلَى اللَّفْظِ.
أَقُولُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ التَّكَلُّفِ فَالْأَحْسَنُ، الْقَوْلُ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ فَإِنَّ جَعْلَهَا جِنْسِيَّةً مُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْجَامِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ إنَّ اللَّامَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْعَهْدِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُشَارُ بِاللَّامِ إلَى مُعَيَّنٍ بِتَعْيِينِ الْمُفَضَّلِ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ لَفْظًا أَوْ حُكْمًا كَمَا إذَا طُلِبَ شَخْصٌ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ فَقُلْتَ عَمْرٌو الْأَفْضَلُ أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي قُلْنَا إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ زَيْدٍ.
(قَوْلُهُ: لِلتَّلَذُّذِ) بِخِطَابِ اللَّهِ وَنِدَائِهِ الْخِطَابُ بِالْكَافِ وَالنِّدَاءُ بِالْمِيمِ؛ لِأَنَّ أَصْلَهُ يَا اللَّهُ حُذِفَتْ يَا وَعُوِّضَ عَنْهَا بِالْمِيمِ وَلِهَذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَشُدِّدَتْ لِتَكُونَ عَلَى حَرْفَيْنِ كَالْمُعَوَّضِ عَنْهُ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ لَاهُمَّ بِحَذْفِ " أَلْ " هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْبَصْرِيِّينَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ الْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ وَالتَّقْدِيرُ يَا اللَّهَ آمِنَّا بِخَيْرٍ أَيْ اقْصِدْنَا ثُمَّ حُذِفَ لِلِاخْتِصَارِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُنَاكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمِيمَ زَائِدَةٌ لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ كَمَا زِيدَتْ فِي " زُرْقُمٍ " لِشِدَّةِ الزُّرْقَةِ وَاِبْنُم فِي الِابْنِ قَالَ السَّيِّدُ وَهُوَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ وَإِنْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ فَإِنَّ التَّاءَ فِي قَوْلِنَا تَاللَّهِ بَدَلٌ مِنْ الْبَاءِ وَفِيهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ قَالَ الْكَمَالُ وَيَصِحُّ تَوْجِيهُ الْخِطَابِ أَيْضًا بِمَا فِي الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِأَنَّ حَمْدَهُ وَاقِعٌ عَلَى وَجْهِ الْإِحْسَانِ الْمُفَسَّرِ «بِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ ﵇ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ»؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخِطَابِ وَالنِّدَاءِ دَالٌّ عَلَى الْحُضُورِ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْقَصْدُ) أَيْ بِالصِّيغَةِ الشَّائِعَةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ لِمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ الصِّيغَةُ الشَّائِعَةُ لِلْحَمْدِ مِنْ أَنَّ صِيغَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ " لِإِنْشَاءِ الْحَمْدِ أَيْ لِإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ " عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلْعُدُولِ عَنْ تِلْكَ الصِّيغَةِ إلَى مَا قَالَهُ.
(قَوْلُهُ: مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ لَامَ " لِلَّهِ " لِلْمُلْكِ وَمِثْلُهُ مَا إذَا جُعِلَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَنَّ " أَلْ " استغراقية أَوْ جِنْسِيَّةٌ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ الْخَلْقِ لِإِخْرَاجِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى إذْ مَرْجِعُهُ لِصِفَةِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ بِالثَّنَاءِ وَصِفَاتُهُ تَعَالَى لَا تَتَّصِفُ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْإِيهَامِ اللَّفْظِيِّ وَإِنْ كَانَتْ اللَّامُ الَّتِي لِلْمُلْكِ مَعْنَاهَا الِارْتِبَاطُ عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الْفَتْحِ فِي حَوَاشِي الْحَنَفِيَّةِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ إذْ الصِّفَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَوْصُوفِهَا وَلَوْ جُعِلَتْ لَامُ " لِلَّهِ " لِلِاخْتِصَاصِ لَدَخَلَ الْحَمْدُ الْقَدِيمُ أَيْضًا وَيُسْتَغْنَى عَنْ قَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إذْ لَيْسَ غَرَضُهُ إلَّا بَيَانَ كَوْنِ الْجُمْلَةِ إنْشَائِيَّةً لَا خَبَرِيَّةً فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُ ثَنَائِهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَقُولُ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ إنْشَاءً مَضْمُونًا وَهُوَ لَا يَصِحُّ كَمَا بَيَّنُوهُ وَهُوَ إنَّمَا الْمَقْصُودُ إنْشَاءُ الثَّنَاءِ بِمَضْمُونِهَا وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى تَقْدِيرِ شُمُولِ الْحَمْدِ الْقَدِيمِ أَيْضًا فَتَدَبَّرْ تَقْيِيدَهُمْ إفَادَةَ أَلْ الْجِنْسِيَّةِ لِلِاخْتِصَاصِ بِجَعْلِ لَامِ لِلَّهِ لِلْمُلْكِ غَيْرَ مُسَلَّمٍ بَلْ
1 / 13