Harb Wa Salam
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
Genres
وصديقك المسكين لن يكون بعد في الوجود!
لم يكن قد انتهى من أغنيته بعد، حتى كان الشبان في القاعة الكبرى يتأهبون للرقص، وكان أعضاء الفرقة الموسيقية يضبطون الإيقاع بأقدامهم؛ استعدادا للشروع في العزف.
خلال ذلك، كان شينشين في البهو داخلا مع بيير في بحث سياسي عميق، أضحى بعد ذلك بحثا عاما، كان شينشين يرغب في استطلاع رأي شاب ناشئ تثقف خارج البلاد وعاد إليها بمعلومات جديدة، وكان بيير متضايقا في مجلسه، يتوق إلى التخلص من ذلك الجو المقبض، وما إن عزفت الموسيقى المقاطع الأولى، حتى دخلت ناتاشا واتجهت نحوه مباشرة.
قالت الفتاة ضاحكة: لقد أوعزت إلي أمي أن أستبقيك للرقص.
فنهض بيير، وقد تضرج وجهه حتى حاكى حمرة وجهها، وأجاب : إنني أخشى أن أفسد الحركات الراقصة، لكنني أقبل إذا وافقت على أن تكوني أستاذتي.
واضطر إلى الانحناء؛ ليستطيع إعطاء ذراعه القوية إلى الفتاة النحيلة الصغيرة.
استمر بيير يرافق فارسته طيلة الوقت الذي لبثت الفرقة الموسيقية تعزف خلاله، وكانت ناتاشا تكاد أن تطير فرحا؛ لأنها كانت تراقص «شابا حقيقيا» عاد منذ قليل وقت من «الخارج»، فكانت تحاكيه في حركاته، وترافقه على مرأى من الموجودين، وكأنها سيدة كبيرة! ولما أعطتها إحدى الآنسات مروحتها على سبيل الإعارة راحت تستعملها وفق أحدث الأساليب الاجتماعية الراقية - دون أن يعرف أين ومتى تعلمت تلك الأساليب - وهي تبسم لبيير من ورائها، وتتحدث معه على أحسن ما يكون الحديث من الجد.
وصدف أن كانت الكونتيس روستوف تجتاز القاعة في تلك اللحظة، فقالت تشير إلى ابنتها: ولكن ما هذا؟ انظروا إلى هذه!
فأجابت الفتاة، وقد تصعد الدم إلى وجهها: ثم ماذا يا أماه؟ لم تسخرين مني؟ أية غرابة تجدينها في مظهري؟
وعندما عزفت الموسيقى رقصة الأيقوسية الثالثة، ارتفع من المكتب - حيث كان الكونت يلعب الورق مع ماري دميترييفنا - ضجيج مقاعد وجلبة خطوات؛ إذ نهض الأشخاص المسنون ومعظم المدعوين من ذوي الحيثيات الذين شعروا بحاجتهم إلى الحركة وترويض أطرافهم، فأودعوا في جيوبهم نقودهم وحافظاتهم واتجهوا نحو قاعة الرقص على شكل رتل؛ كل فارس يرافق مراقصته، فجاء الكونت مع ماري دميترييفنا في الطليعة، وهما على أحسن مزاج، ثنى الكونت ذراعه وقدمها بأدب جم إلى مراقصته، ونصب قامته واتخذ طابع المرح متصابيا، ولما انتهت الحركة التصويرية الأخيرة من تلك الرقصة، صفق بيده وهتف مشيرا إلى السدة، محدثا عازف الكمان الأول: هل تعرف «دانيللو كوبر» يا سيميون؟
Unknown page