Harb Wa Salam
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
Genres
نهضت الأميرة هيلين، وعلى ثغرها تلك الابتسامة المشعة، ابتسامة المرأة الجميلة المكتملة الأنوثة، التي كانت تشرق على وجهها منذ أن دخلت إلى البهو. مرت وسط الرجال الذين راحوا يفسحون لها الطريق وهي تجر وراءها ثوبها الأنيق الموشى بالزهور، فيحدث حفيفا خافقا، واختالت مزهوة بكتفيها البضتين الجميلتين، وشعرها المتموج، وجواهرها المتلألئة، شامخة الرأس، لا أحدا بنظرتها، بينما كانت ابتسامتها تغمر الموجودين، وبدت كأنها تراعي أن يتأمل كل منهم قامتها الفارعة، وكتفيها المنسجمتين، وعنقها وظهرها العاريين، البارزين بسخاء خلال فتحة الثوب، وفق مبتكرات ذلك العصر. اقتربت من آنا بافلوفنا وكأنها تجر في أعقابها كل روعة الحفل وبهائه. كانت هيلين على قسط كبير من الجمال، بعيدة عن أسباب التجمل والتبرج، تبدو مشفقة من سلطان جمالها المفرط الخارق، وكأنها تبحث عبثا عن وسيلة تخفف من بغيه وطغيانه.
كان كل من يلقاها لا يتمالك نفسه عن القول: يا للبهاء والجمال!
فلما جلست أمام مورتمارت، وطلعت عليه بابتسامتها الخالدة، أجفل الفيكونت وكأن الدهشة قد عقلت لسانه، وأطرق مبتسما.
قال وهو ينحني: سيدتي، إنني مشفق على وسائلي في حضرة الجمال الطاغي
d’Enghien .
أغفلت الأميرة الرد على إطرائه، وأسندت ذراعها المتناسقة على نضد صغير، وانتظرت باسمة. لبثت طيلة المدة التي استغرقتها وقائع القصة منتصبة الجسد، ترتب ثنيات ثوبها، أو تتأمل تارة ذراعها المستديرة البديعة، التي كان ثقلها على النضد يخفق في تشويه شكلها الخميل الشهي، وطورا عنقها الأثيل الفتان ، الذي كانت تعانقه قلاداتها الماسية. وفي المواقع المثيرة من القصة، كانت عيناها تشخصان إلى وجه آنا بافلوفنا مستفسرتين، فتنقل هذه انطباعاتها بإخلاص، لكن تقاطيعها سرعان ما تنبسط بابتسامة ملائكية.
تركت الأميرة الصغيرة مائدة الشاي على أعقاب هيلين، وهي تهتف بها: انتظريني ريثما آخذ أشغالي.
ثم توجهت إلى الأمير هيبوليت قائلة: ففيم تفكر؟ جئني بحقيبتي اليدوية!
أحدث تأهب الأميرة للانتقال من مكانها، وما أشفعته بحديث وأعقبته بضحكات وزعتها على من حولها؛ لغطا في حلقة مورتمارت، فلما جلست بين أفراد الجماعة الجديدة، وأصلحت من زينتها، قالت وهي تستعيد أشغالها: هكذا، لقد أخذت مكاني، يمكنك أن تبدأ قصتك.
وتبعها الأمير هيبوليت - حامل الحقيبة - في حلها الجديد، وجاء يجلس على مقعد دفع به إلى مقربة منها.
Unknown page