118

Harb Wa Salam

الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة

Genres

كان الأمير الشيخ يزعم أن النوم بعد الغداء من فضة، بينما النوم قبل الغداء من ذهب، وفي الحقيقة أنه كان على أحسن مزاج، ألقى نظرة جانبية نحو آندره، يظللها حاجباه الكثيفان المنسقان بعناية، فقبله هذا في المكان الذي عينه أبوه، لكنه لم يعقب على رأي أبيه، الذي درج على الاستهانة بعسكريي المدرسة الحديثة، وبصورة خاصة ببونابرت.

قال الأمير الشاب - وهو يتابع ببصره بامتثال شديد كل حركة من عضلات وجه أبيه العجوز: هأنذا يا أبي، لقد أتيتك بزوجتي، وهي في حالة خاصة، كيف حالك يا أبي؟ - إن المرض يا عزيزي لا يداهم إلا الحمقى والفجار، ولما كنت - كما تعرف - عفيفا زاهدا جم المشاغل، أعمل منذ الصباح وحتى المساء، فإن ذلك يجعلني في صحة جيدة.

فقال آندره باسما: حمدا لله وشكرا. - لا دخل لله في هذا الموضوع.

ثم أعقب وقد عاد إلى سخريته المعتادة: هيا حدثني كيف علمكم الألمان التغلب على بونابرت، بحسب الجديد المسمى «استراتيجية»؟

فأجاب آندره بابتسامة ودية، تنبئ بأن ميول العجوز لا تمنعه من الإمعان في احترامه، وقال: دعني أتنفس يا أبي، لست أدري بعد أين سنستقر.

فهتف الأمير وقد أمسك بذراعه، وهو يجذب شريط شعره ليختبر متانته: بل على العكس، على العكس، إن مخدع زوجتك جاهز، سوف تأخذها ماري إليه، سوف تثرثران بكل سرور؛ لأن النساء لا هم لهن إلا الثرثرة، إنني سعيد باستقبالها، هيا اجلس ولنتحدث، إنني أفهم ماذا يعمل جيش ميخلسن، وكذلك جيش تولستوي. نزول متوافق، ولكن ماذا يفعل جيش الجنوب؟ سوف تبقى بروسيا حيادية ولا شك، ولكن ماذا عن النمسا والسويد؟ كيف يمكن اجتياز بوميرانيا

؟

نهض الأمير وراح يذرع غرفته، يتبعه تيخون الذي كان يقدم له قطع الثياب المختلفة ليرتديها، فلم يستطع الأمير آندره أمام ذلك الإلحاح إلا أن يخوض في الحديث، بدأه في شيء من الضجر، لكنه ما لبث أن ثارت حميته وازداد اندفاعه، فراح كعادته، يخلط الكلمات الروسية بالكلمات الفرنسية، وأخذ يعرض على مسامع أبيه خطة المعركة المقبلة؛ سيهدد بروسيا جيش قوامه تسعون ألف رجل ليخرجها عن حيادها، وسوف يجتمع جانب من ذلك الجيش في سترالسوند بجيش السويد، وسوف ينشط للعمل في إيطاليا وعلى الرين مائتا ألف نمساوي، ومعهم مائة ألف روسي، وسينزل في نابولي خمسون ألف روسي، وخمسون ألف إنجليزي، وسيكون مجموع الجيوش التي ستهاجم الفرنسيين، خمسمائة ألف رجل، وستعمل هذه الجيوش في نقاط مختلفة متنوعة.

كان الأمير الشيخ، مستمرا في ارتداء ملابسه خلال الحديث، وهو يتمشى في الغرفة، ما كان يبدي أي اهتمام بما يشرحه ابنه من نظريات، بل كان يبدو وكأنه لا يصغي إلى قوله، فلم يقاطعه إلا ثلاث مرات، وبصورة غير منتظرة أبدا؛ الأولى عندما صاح قائلا: الأبيض! الأبيض!

وكان معنى ذلك أن تيخون أخطأ في تقديم الصدرة المطلوبة، والمرة الثانية عندما توقف ليسأله: إذن، هل الولادة قريبة؟

Unknown page