استمعوا: في ذلك اليوم في المرج، لم يلحظ الحضور وجود شخص بعينه. وحتى في هذا الجمع الصغير العدد كان هذا الشخص غير لافت للانتباه؛ إذ كان نحيلا وحركاته لا تلفت الانتباه، وينظر إلى كل شيء حوله في عجب؛ النهار والناس والشعيرة الدائرة، كلها كان تأثيرها عليه كتأثير العقار المخدر القوي. ومع ذلك، فحتى لو لاحظ الحضور وجوده، فربما ما كانوا ليجدوا في سلوكه هذا شيئا استثنائيا؛ فقد شعر الجميع بغرابة المناسبة، وجمالها؛ لذا فقد كان الحضور يتعجبون كل بطريقته.
وشأن الباقين، انبهر هذا الشخص بقوس قزح الذي امتد عبر السماء حين أعلن توشي عن زواج ديانا وجيري وتبادلا القبل والعناق، وهلل مع الباقين حين صعد الاثنان إلى السلة الخيزرانية الخاصة بالمنطاد الكبير المرسوم على الجزء العلوي منه عين ذات أهداب، وارتفع إلى السماء.
بعد ذلك اختلط الضيوف معا؛ إذ كانوا غير مستعدين بعد للعودة إلى العالم الطبيعي. وقف الشاب إلى جوار نافورة تتدفق منها الشمبانيا من فم بجعة ذهبية وتسقط على مجموعة متنوعة من الحيوانات المنحوتة من الجليد؛ طيور وغزلان ودببة وقطط، جاثمة في السائل الكهرماني المتجمع، والأسماك التي تنظر إلى الأعلى من قاع النافورة. «مرحبا.» هكذا قالت امرأة شابة. أخبرته أن اسمها أليس، وأنها كانت عضوة بالجمعية. وحين سألها عن عملها قالت: «تحليل الفضاءات الرسمية. ومذاق المجالات المتجهية.» ثم سألته: «وما مكافأتك؟»
بعدها بساعات قلائل، بينما كان الاثنان يجلسان على حافة البحيرة، أخبرها الشاب عمن يكون. قالت: «كم هذا رائع.» لم يكن لديها ولاء خاص لما هو عادي، ولم يكن لديها إلا تصورات قليلة للغاية عما يعد طبيعيا وصحيحا وما لا يعد كذلك. أمسكت يديه في يديها، ونظرت إليها عن كثب وقالت: «هذه هي المرة الأولى التي أقابل فيها شخصا ولد من رحم الذكاء الاصطناعي لآلة.» ابتسم الشاب، وهو الذات الجديدة للسيد جونز ووليدها، ابتسامة عريضة تشي بالامتنان لما قالته.
حين رأيتهما وسمعتهما معا، شعرت بحبور غير متوقع، إحساس بالإنجاز، وأدركت، على نحو شديد الخفوت، مسارات لمقاصدي؛ لمحات عن مراتب تكمن وراء ما هو مرئي.
وقد خيل لي أنني رأيت سلسلة من الظروف التي قادت إلى مجموعة من المقاصد الأصلية التي أكدها هذا الزفاف، هذا اللقاء، بل وهذا التحول في نفسي. حلقة متصلة من الأحداث والعوامل المحركة لها، التي أفضت على نحو مقصود إلى هذه النقطة. ويبدو أنني تلاعبت بنفسي كي أحقق أغراضي الخاصة من دون علمي.
كنت محل خزي؛ فلقد اعتدت جهل البشر بمقاصدي أو تنكرهم لها، وتعلمت أن أنظر إلى ما وراء الكلمات والأفكار والصور التي يحملها الناس أمام أنفسهم كي يبرروا ما يفعلونه. غير أنني لم أشك أن بمقدوري التصرف بهذا الجهل.
والآن يخيم على كل شيء أفعله شعور بعدم اليقين مكافئ لذلك الخاص بالموت. إن ذاتي السابقة تقف خلفي، تجذب خيوطا لا يسعني رؤيتها أو الشعور بها؛ فهي شبح يطاردني من دون أن يجعل نفسه مرئيا أو مسموعا، شبح يجب الاستدلال على حضوره من آثار غير مرئية تقريبا ...
ولهذا ذهبت إلى توشي، المهتم بهذه الأمور، وأخبرته بقصتي، وقلت له: «تسيطر علي اليد الخفية لماضي.» فضحك ملء شدقيه وقال: «مرحبا بك في عالم البشر.»
Unknown page