Hakadha Takallama Nasr Abu Zayd
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
Genres
أنا مدرك حجم التحدي، ولا أزعم أني سأحله، لكن على الأقل أكون عملت خطوة، فتحت الباب لنقاشات. أترك جانبا طبعا نقاشات الذي يرفض تماما، وسيقول «هذا كفر»، أو من سيقبل تماما دون تفكير. أنت تحتاج إلى من سيأخذ هذا مأخذ الجد، لا مأخذ القبول المطلق ولا الرفض المطلق، كما أخذ المسلمون الأوائل تحديات المسيحيين الأوائل مدخل الجد. المفكرون العرب الأوائل أخذوا كل ما كان يقال مأخذ الجد، وبالتالي انخرطوا في إنتاج معرفة، فأنت حينما ترفض من البداية أو تقبل من البداية، أنت لست منخرطا في إنتاج معرفة. إما متقبل تماما سلبي، أو رافض تماما سلبي، والموقفان خطأ، موقفان أقرب لأن يكونا الصوت والصدى، حينما أدرس في الجامعة لا يسعدني أبدا الطالب الذي يأخذ ما أقول وهو مقتنع به «وخلاص»، وكنت أقرب إلى الطالب الذي يحب أن يماحك آرائي.
فيه تحديات كثيرة في الدراسات الإسلامية والقرآنية، نحن الباحثين المسلمين خائفون أن نقترب منها، وأنا رأيي أن هذا الخوف تعبير عن انعدام الثقة في النفس، والخوف من الخطأ، وكلاهما لا يجعلك فاعلا. وأنا أرى أنه قد حان الأوان ألا نترك المجال لغيرنا ونظل نتفرج وفقط، نرفض أو نقبل. لقد حان الأوان أن ننخرط في إنتاج معرفة، خاصة بالتراث الذي ننتمي إليه، والذي نعتبره تراثنا، ومن حقنا أن نفهمه وأن نناقشه وننقده ونعدله ... إلخ.
قلت له: لو نظرنا لخطابك كله، وأنا كنت أقف دائما أمام مقدمات كتبك؛ لأنك دائما كنت تصل الكتاب بما سبقه من كتاباتك، كأنك ترسم ملامح صورة كاملة متداخلة مع بعضها، النتف الموجودة في كل هذه الدراسات عن مواقف مثلا في «مفهوم النص» أنت قد حللتها، عن تعارض ليس له أي قيمة بين الفقهاء مثلا، أو شرحك لسورة الإخلاص. هذه الأجزاء حينما تجمع مع بعضها في نسيج تقوي بعضها بعضا. - نعم، لو أحد جمع هذه الأمثلة من كتب مختلفة، ووضعها مع بعضها ممكن يأخذ نوعا من الانطباع عن: ما هي إجراءات التحليل التي يمكن أن أبدأ بها، والتي طبعا ممكن أن أطورها؟ لأن هذه إجراءات جزئية. لما تأخذ سورة أو آية تكون محكوما بالسياق الذي تتكلم فيه، يعني مثلا تحليلي ل «اقرأ» - يعني سورة العلق - في مفهوم النص هو مرتبط ببيان العلاقة الحميمية بين المتكلم وبين المتلقي؛ بدليل وجود ضمائر كاف المخاطب، لكن في هذا السياق لم أسأل: من هو القائل «اقرأ» صوت من هذا؟ لا يمكن أن يكون الصوت الإلهي؛ لأن الصوت يقول له:
اقرأ باسم ربك ، ولو كان الصوت الإلهي كان قال له: اقرأ باسمي. هذا طبعا لم أطرحه؛ لأني كنت مشغولا بقضية أهمية المتلقي الأول. لم أكن طورت فكرة أن المتلقي الأول هو همزة الوصل مع الجماعة، ولم أكن مهتما بتعدد الأصوات. فكان تركيزي على أن «اقرأ» كما قلت كأنها بطاقة تعريف «ربك»، وفيها الحميمية الشخصية. والسورة تستخدم ربك وليس الله، وبما توحي بأنه من رباك ورعاك، ولكنه ليس ربك وحدك ولكن الذي
خلق
و
خلق الإنسان من علق ، وبعد ذلك انتقل
اقرأ وربك الأكرم ، والكرم جزء من الثقافة بمعنى كرم الأصل؛ لأن محمدا كان يتيما.
هنا - يعني في كتابه مفهوم النص - أنا كنت مشغولا بزاوية واحدة، في التفسير سأكون مشغولا بأكثر من زاوية؛ نتيجة غنى الأبعاد التي تدريجيا أصبحت أكثر وعيا بها. قواعد التجويد هي قواعد حريصة جدا. إن القارئ لا يعمل تأويلا، لازم يكون الصمت هنا، لازم يبقى الوصل هنا، لازم يبقى الفصل هنا، «خلي بالك» إن الصمت، والوصل والفصل كل هذه قواعد تأويلية، علم التجويد وضع لنا تأويلا جامدا لا تخرج عنه، باختصار إن قواعد التجويد ليست قواعد لغوية محايدة كما نميل إلى التفكير، إنما هي قواعد متأثرة إلى حد كبير بالمناخ اللاهوتي والجدل اللاهوتي، وفي النهاية القواعد اللاهوتية الحنبلية الأشعرية هي التي سادت.
مشروع التفسير سيكون مركبا جدا، سآخذ القارئ في رحلة قراءة القرآن في سياقه التاريخي وفي بنيته الحالية، في الدلالات التي يشعها، لن ألتزم التزاما حرفيا بالمنهج التاريخي ولا التزاما حرفيا بالمنهج التتابعي. - جهودك النقدية وأنا كقارئ لست متخصصا في علم تحليل الخطاب، هذه الجهود - تمهلت في الكلام - هذه الجهود حتى الآن مجرد مقدمة، لكن التفسير سيجعلك تركز الأفكار. - أنت عندك حق، أنت قلت كلام «مظبوط» وهو: إنه طول الوقت وكأننا نعمل «وصفة» أطبخ «بقى»، نعم أنت - يعني نفسه كنصر أبو زيد - تكلمت عن المنهج، كل المقدمات: نص وخطاب، كلها لا بأس بها، لكن خذ المفهوم الذي وصلت إليه وقدم للقارئ، وأنا حاسس إني أقدر أعمل هذا، لن يكون عملا كاملا، لكن على الأقل أستطيع وضع الخطوط العريضة. عندي إجابات كثيرة لكل الآيات الإشكالية التي وقف عندها المفسرون، أنا أرى لها حلولا لو طبقنا منهج تحليل الخطاب. وهذا ليس تبسيطا، والقرآن ليس كتابا في اللاهوت، اللاهوت في القرآن على درجة من الغموض عالية جدا لذيذة جدا، ولهذا أصبحت أحتفي بالغموض.
Unknown page