فضحك الشيخ وقال: «لو كانت أبعار الجمال كثيرة لرأيناها أصنافا وألوانا. فهي إذن لجمل واحد، وهذا الجمل لم يقم هنا إلا قليلا. وأي جمل من جمال أهل المدينة يخرج إلى هذا المكان بعد منتصف الليل إلا أن يكون فارا مثل جملك؟»
فأعجب حسن ببداهة أهل البادية، وتذكر اشتهارهم بقيافة الأثر، ولكنه ما زال مشككا في أن يكون ذلك الجمل جمله فقال: «لا أرى ما يمنع بعض أهل المدينة من الخروج الليلة على جمله يلتمس بعض الأحياء فمر بالعقيق ليشرب أو يسقي جمله أو يستريح.»
قال: «قد يكون ذلك، ولكن حال المكان، لا يدل عليه؛ لأني لا أرى على الأرض آثار آدميين.»
فقطع حسن كلامه وقال وهو يظن أنه أفحمه: «الظاهر أن الراكب لم ينزل عن جمله وإنما وقف ريثما يشرب ثم ساقه.»
فقال: «لا؛ لأن الجمل لا يستطيع الوقوف تحت هذه الأغصان المدلاة وعليه راكب؛ لأنها تمس ظهر الجمل بانبساطها وانحنائها وليس عليه أحد.»
قال حسن: «ربما برك الجمل؟»
قال: «لو فعل لشاهدنا آثار ركبه، فما الجمل الذي مر من هنا إلا جملك، وإذا صبرت هنيهة أريتك الطريق الذي سار فيه فيهون عليك طلبه.»
قال: «وكيف ذلك؟» وكان الفجر قد لاح، وتبينت الأرض جيدا، فنظر حسن إلى ما حوله وراجع ما قاله الشيخ فترجح لديه قوله، وتحقق ما كان يسمعه من مهارة أهل البادية في قيافة الأثر، فلبث ليرى ما يفعله الشيخ فإذا هو قد مشى خطوات قليلة ثم قال: «انظر إلى هذه الخطى فإنها آثار خفاف جمل يعدو عدوا سريعا، يدلك على ذلك عمقها وعدم نظامها، ويظهر أن الجمل عاد إلى المدينة.»
فالتفت حسن إلى يساره وقد بان الصبح فإذا هو مشرف على المدينة عن بعد ولا بد له من الذهاب إليها، فتذكر حبيبته فيها، ولكنه عاد إلى التفكير في أمر الجمل فقال: «إني لأستغرب ما رأيته اليوم من جملي ولم يكن عهدي به مثل ذلك من قبل .»
قال: «للجمال طبائع غريبة وقد يكون الجمل هادئا ساكنا فلا تراه إلا وقد دلق لسانه وأرغى وأزبد وأركن إلى الفرار كأنه أصيب بجنة، وقد يصيبه ذلك على خوف ورعب أو جوع. ومهما يكن من الأمر فاطلب جملك في المدينة. وأما أنا فإني أستأذنك في العودة إلى ماشيتي مخافة أن يكون قد أصاب إبلي ما أصاب جملك وهي وحدها هناك ما عدا غلاما وأمه تركتهما لحراستها.»
Unknown page