قال: «أظنني أعرف الجالس على الوسادة المثناة، فهو الفرزدق، وقد عرفته بضخامة بدنه وعبوسة وجهه وغلظه، أليس هو الفرزدق؟»
قالت: «نعم هو بعينه. ألا تعجب من اجتماعه هو وجرير في مجلس واحد مع ما اشتهر بينهما من المهاجاة؟»
قال: «وأين جرير؟»
قالت: «هو ذاك الذي كف شعره وأدهن، ومتى تكلم سمعت لكلامه غنة يخرج بها الكلام من أنفه كأن فيه نونا.»
قال: «ومن هو الآخر القصير الدميم العظيم الهامة؟» قالت: «هو كثير عزة العاشق المشهور.»
قال: «أعاذ الله عزة من منظره فإنه قبيح. ومن ذاك الشاب الجميل العريض المنكبين الحسن البزة، وكأنه جالس القرفصاء؟»
قالت: «هو جميل بثينة أحد عشاق بني عذرة. ألا تراه حزينا لما اشتهر من حبه لها وحرمانه لذلك منها؟»
قال: «ومن ذلك الأسود؟ إني لأستغرب منظره، والشعراء يندرون في السود؟»
فضحكت وقالت: «هو نصيب الشاعر الفحل، وأما سواده فلأن أمه أمة، وهو من قضاعة.» ثم أشارت عليه بأن يجلس على إحدى الوسائد وأن ينتظر ما يكون من شأنها مع سمية.
فجلس وهو يخاف فوات، ولم يكد يستقر به المقام حتى سمع لغطا من وراء الستار فاستبشر وظن أن ليلى تخاطب سكينة أو سمية، ثم رأى جارية وضيئة خرجت وقالت: «أيكم الفرزدق؟»
Unknown page