فقال حسن وقد رفع صوته: «ألا تعرف علاقته بك؟ إذا كنت لا تعرف تلك العلاقة، فاسأل محمدا بن الحنفية، وهو قريب من هنا. اسأله أو اسأل من شئت. وإذا أنكرت استنطقنا رماد الكرسي .»
فلما سمع عرفجة هذا التعريض أوجس في نفسه خيفة، ولم يجد سبيلا إلى التخلص إلا أن يمضي في تجاهله ومغالطته فقال وهو يضحك: «أتظن مثل هذه المفتريات تنطلي على مولانا الأمير؟ وهل تظنه يصغي لكلام مختلق لا معنى له ولا أصل؟ إن الأمير إن يكن قد مد لك في حبل الحلم، فما ذلك إلا لكي يأخذك بجريرتك ويجعلك عبرة لأمثالك من الخائنين.»
فقال حسن: «للأمير أن يفعل بي ما يشاء، ولكن ذلك لا ينفي كونك خائنا منافقا. وإذا كنت قد أنكرت أمر الكرسي، فإن أمره معروف، وأهل المدينة يعرفون عنك محافظتك بضعة أعوام على محفة لا يعرف أحد ما فيها. ولم يكن فيها إلا كرسي المختار الذي زعم أنه لعلي بن أبي طالب، واستغله في الدعوة إلى قتال بني أمية من ورائه، فلما مات أخذت أنت الكرسي لنفسك، لتخلف المختار في استغلاله لمناصبة بني أمية العداء ومحاولة إخراج الخلافة منهم إلى محمد بن الحنفية الذي كان المختار يدعو له.»
فقطع عرفجة كلامه وقال: «ما هذا إلا اختلاق.»
فقال حسن: «إن ابن الحنفية شاهد على ذلك، ومهما يكن من أمره فيما يختص بالخلافة فلا يشك أحد في صدقه، وإذا كان شعب علي بعيدا من هنا، ففي المسجد بمكة من شهدوا حريق الكرسي معي، وشهدوا الإهانة التي لحقت بعرفجة النزيه الصادق من محمد بن الحنفية حين جاءه مستأذنا في الدعوة إلى بيعته وخلع أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان!»
ولم يتم حسن كلامه حتى ضج من في الفسطاط، ومال الحجاج إلى تصديق حسن، وكان الحجاج مع تقريبه عرفجة لا يجهل خبثه ونفاقه، ولكنه إنما قربه لأنه يحتاج إلى أمثاله في بعض أغراضه. فلما رجح ثبوت هذه التهمة عليه صمم على قتله، ولكنه أجل ذلك ليرى ما يكون.
أما عرفجة فلما غلبته الحجة عمد إلى المواربة فقال وهو يظهر التعقل والهدوء: «يلوح لي أن أمير المؤمنين سكت عما سمعه من هذا الرجل كأنه مال إلى تصديقه .»
فقال الحجاج: «وهل تحسبه اختلق ذلك كله اختلاقا؟»
قال: «نعم يا مولاي.»
فقال الحجاج: «لا يعقل أنه يفعل ذلك، ولا سيما أنه يستشهد أناسا معروفين. ثم ما الذي يدعوه إلى هذا الاختلاق؟»
Unknown page