وكان ينبت في تلك الأدمغة الفطرية مذهب الارتياب الذي نما بعدئذ في كتب الهند نموا عظيما، ودليلنا على ذلك النص الآتي الذي ورد في الرغ ويدا فاستشهد به مكس موللر في كتابه «أصل الأديان ونشوءها»:
من يدري، من يقول من أين أتى هذا الكون؟ فالآلهة ظهرت بعد ظهوره، فمن يستطيع أن يخبرنا بمصدره؟
من أين أتى هذا الكون؟ هل هو من صنع خالق أم لا؟ يعلم ذلك من ينظر من فوق الفلك، وقد لا يعلم.
ويظهر أن الجمهور كان لا يبالي كثيرا بمثل هذه الأفكار التي كانت تساور بعض المفكرين، فالذي كان يهم الجمهور هو أن يتساوم هو والآلهة تساوما عمليا فيقدم إليها القرابين والأدعية والنشائد في مقابل أسر عزيزة وكنوز وافرة وقطاع كبيرة وانتصارات مؤزرة، ففي الويدا غير شاهد على ذلك، والشواهد فيها من نمط واحد، ففيها أن أي إله يضرع إليه يتملق بوعده بسيول من شراب السوما وأنهار من عسل ولبن وبالصلوات والأدعية والتسابيح، وبتقريب القرابين أحيانا، على أن يحمي الأسر ويقي من الأمراض وينزل على الحقول المطر ويجعل البقر كثيرة النسل والدر.
وقلما كان يخلط بتلك الأمور الغليظة الصادرة عن الحرص والطمع روح التوبة والندم على ما فرط من الذنوب والرغبة في إصلاح الحال.
ولا تكاد تجد في الويدا مبدأ الذنب، فالآري كان لا يبغي الكمال، ويعزو ما يقترفه إلى ضعف الطبيعة البشرية، جاء في إحدى تلك الأناشيد:
يا بتريس! لا تؤاخذنا بذنوبنا، فهي نتيجة ضعف طبيعتنا البشرية.
وما عند الآريين من مبادئ الأخلاق فقليل النمو قليل الصرامة، فيكاد ينحصر ما تأمر به الويدا في إيتاء الصدقات والرفق بالحيوانات والوفاء للأصدقاء.
نختم بحثنا المجمل الذي رسمنا خطوطه بإخلاص فاعتمدنا فيه على الويدا، فحاولنا فيه إظهار حضارة الآريين وشأنهم، فنقول، من غير أن نعترف لهم بالصفات العالية التي أريد وصفهم بها حينما كشف أمرهم ولا بما عزي إليهم من الشأن في تكوين العروق، ولا بما قصد نسبته إليهم من كل أمر رفيع في الغرب: إنك لا تبصر حضارة تساوت هي وحضارتهم في النشوء فاستطاعت أن تتخلص مثها من بقايا الهمجية الأولى، وإنك إذا قايست بين الشعب الآري والشعوب اليهودي الذي مثل دورا كبيرا في العالم وجدت ذلك أعلى من هذا، ففي تاريخ بني إسرائيل ترى ما لا ترى له أثرا في كتب الآريين من الأكاذيب وكفران النعمة والجبن والنذالة والتجبر والبهيمية وسفك الدماء والخرافية الضارية.
شكل 1-10: جكن ناتهه. داخل معبد غورشاباري «القرن الثاني عشر على ما يحتمل.»
Unknown page