Futuhat Makkiyya
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
Publisher
دار إحياء التراث العربي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418هـ- 1998م
Publisher Location
لبنان
إني ولدت وحيد العين منفردا . . . والناس كلهمو أولاد علات اعلم أيدك الله أنه لما كان المقصود من هذا العالم الإنسان وهو الإمام لذلك أضفنا الآباء والأمهات إليه فقلنا آباؤها العلويات وأمهاتنا السفليات فكل مؤثر أب وكل مؤثر فيه أم هذا هو الضابط لهذا الباب والمتولد بينهما من ذلك الأثر يسمى ابنا ومولدا وكذلك المعاني في انتاج العلوم إنما هو بمقدمتين تنكح إحداهما الأخرى بالمفرد الواحد الذي يتكرر فيهما وهو الرابط وهو النكاح والنتيجة التي تصدر بينهما هي المطلوبة فالأرواح كلها آباء والطبيعة أم لما كانت محل الاستحالات وتتوجه هذه الأرواح على هذه الأركان التي هي العناصر القابلة للتغيير والاستحالة تظهر فيها المولدات وهي المعادن والنبات والحيوان والجان والإنسان أكملها وكذلك جاء شرعنا أكمل الشرائع حيث جرى مجرى الحقائق الكلية فأوتي جوامع الكلم واقتصر على أربع نسوة وحرم ما زاد على ذلك بطريق النكاح الموقوف على العقد فلم يدخل في ذلك ملك اليمين وأباح ملك اليمين في مقابلة الأمر الخامس الذي ذهب إليه بعض العلماء كذلك الأركان من عالم الطبيعة أربعة وبنكاح العالم العلوي لهذه الأربعة بوجد الله ما يتولد فيها واختلفوا في ذلك على ستة مذاهب فطائفة زعمت أن كل واحد من هذه الأربعة أصل في نفسه وقالت طائفة ركن النار هو الأصل فما كثف منه كان هواء وما كثف من الهواء كان ماء وما كثف من الماء كان ترابا وقالت طائفة ركن الهواء هو الأصل فما سخف منه كان نارا وما كثف منه كان ماء وقالت طائفة ركن الماء هو الأصل وقالت طائفة ركن التراب هو الأصل وقالت طائفة الأصل أمر خامس ليس واحدا من هذه الأربعة وهذا هو الذي جعلناه بمنزلة ملك اليمين فعمت شريعتنا في النكاح أتم المذاهب ليندرج فيها جميع المذاهب وهذا المذهب بالأصل الخامس هو الصحيح عندنا وهو المسمى بالطبيعة فإن الطبيعة معقول واحد عنها ظهر ركن النار وجميع الأركان فيقال ركن النار من الطبيعة ما هو عينها ولا يصح أن يكون المجموع الذي هو عين الأربعة فإن بعض الأركان منافر للآخر بالكلية وبعضها منافر لغيره بأمر واحد كالنار والماء متنافران من جميع الوجوه والهواء والتراب كذلك ولهذا رتبها الله في الوجود ترتيبا حكميا لأجل الاستحالات فلو جعل المنافر مجاور المنافرة لما استحال إليه وتعطلت الحكمة فجعل الهواء يلي ركن النار والجامع بينهما الحرارة وجعل الماء يلي الهواء والجامع بينهما الرطوبة وجعل التراب يلي الماء والجامع بينهما البرودة فالمحيل أب والمستحيل أم والاستحالة نكاح والذي استحال إليها ابن فالمتكلم أب والسامع أم والتكلم نكاح والموجود من ذلك في فهم السامع ابن فكل أب عليو فإنه مؤثر وكل أم سفلية فإنها مثر فيها وكل نسبة بينهما معينة نكاح وتوجه وكل نتيجة ابن ومن هنا يفهم قول المتكلم لمن يريد قيامه قم فيقوم المراد بالقيام عن أثر لفظة قم فإن لم يقم السامع وهو أم بلا شك فهو عقيم وإذا كان عقيما فليس بأم في تلك الحالة وهذا الباب إنما يختص بالأمهات فأول الآباء العلوية معلوم وأول الأمهات السفلية شيئية المعدوم الممكن وأول نكاح القصد بالأمر وأول ابن وجود عين تلك الشيئية التي ذكرنا فهذا أب ساري الأبوة وتلك أم سارية الأمومة وذلك النكاح سار في كل شيء والنتيجة دائمة لا تنقطع في حق كل ظاهر العين فهذا يسمى عندنا النكاح الساري في جميع الذراري يقول الله تعالى في الدليل على ما قلناه إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ولنا فيه كتاب شريف منيع الحمى البصير فيه أعمى فكيف من حل به العمى فلو رأيت تفصيل هذا المقام وتوجهات هذه الأسماء الإلهية الإعلام لرأيت أمرا عظيما وشاهدت مقاما هائلا جسيما فلقد تنزه العارفون بالله وبصنعه الجميل بأولى وبعد أن أشرت إلى فهمك الثاقب ونظرك الصائب بالأب الأول الساري وهو الاسم الجامع الأعظم الذي تتبعه جميع الأسماء في رفعه ونصبه وخفضه الساري حكمه والأم الأولية الآخرية السارية في نسبة الأنوثة في جميع الأبناء فلنشرع في الآباء الذين هم أسباب موضوعة بالوضع الإلهي والأمهات واتصالهما بالنكاح المعنوي والحسي المشروع حتى يكون الأبناء أبناء حلال إلى أن أصل إلى التناسل الإنساني وهو آخر نوع تكون وأول مبدع بالقصد تعين فنقول أن العقل الأول الذي هو أول مبدع خلق وهو القلم الأعلى ولم يكن ثم محدث سواه وكان مؤثرا فيه بما أحدث الله فيه من انبعاث اللوح المحفوظ عنه كانبعاث حواء من آدم في عالم الأجرام ليكون ذلك اللوح موضعا ومحلا لما يكتب فيه هذا القلم الأعلى الإلهي وتخطيط الحروف الموضوعة للدلالة على ما جعلها الحق تعالى أدلة عليه فكان اللوح المحفوظ أول موجود انبعاثي وقد ورد في الشرع أن أول ما خلق الله القلم ثم خلق اللوح وقال للقم اكتب قال القلم وما أكتب قال الله له اكتب وأنا أملي عليك فحط القلم في اللوح ما يملي عليه الحق وهو علمه في خلقه الذي يخلق إلى يوم القيامة فكان بين القلم واللوح نكاح معنوي معقول وأثر حسي مشهود ومن هنا كان العمل بالحروف المرقومة عندنا وكان ما أودع في اللوح من الأثر مثل الماء الدافق الحاصل في رحم الأنثى وما ظهر من تلك الكآبة من المعاني المودعة في تلك الحروف الجرمية بمنزلة أرواح الأولاد المودعة في أجسامهم فأفهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وجعل الحق في هذا اللوح العاقل عن الله ما أوحى به إليه المسبح بحمده الذي لا يفقه تسبيحه إلا من أعلمه الله به وفتح سمعه لما يورده كما فتح سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حضر من أصحابه لإدراك تسبيح الحصى في كفه الطاهرة الطيبة صلى الله عليه وسلم وإنما قلنا فتح سمعه إذ كان الحصى مازال مذ خلقه الله مسبحا بحمد موجده فكان خرق العادة في الإدراك السمعي لا فيه ثم أوجد فيه صفتين صفة علم وصفة عمل فبصفة العمل تظهر صور العالم عنه كما تظهر صورة التابوت للعين عند عمل النجار فيها يعطي الصور والصور على قسمين صور ظاهرة حسية وهي الأجرام وما يتصل بها حسا كالأشكال والألوان والأكوان وصور باطنة معنوية غير محسوسة وهي ما فيها من العلوم والمعارف والإرادات وبتينك الصفتين ظهر ما ظهر من الصور فالصفة العلامة أب فإنها المؤثرة والصفة العاملة أم فإنها المؤثر فيها وعنها ظهرت الصور التي ذكرناها فإن النجار المهندس إذا كان عالما ولا يحسن العمل فيلقي ما عنده على سمع من يحسن عمل النجارة وهذا الإلقاء نكاح فكلام المهندس أب وقبول السامع أم ثم يصير علم السامع أبا وجوارحه أما وإن شئت قلت فالمهندس أب والصانع الذي هو النجار أم من حيث ما هو مصغ لما يلقي إليه المهندس فإذا أثر فيه فقد أنزل ما في قوته في نفس النجار والصورة التي ظهرت للتجار في بباطنه مما ألقى إليه المهندس وحصلت في وجود خياله قائمة ظاهرة له بمنزلة الود الذي ولد له فهمه من المهندس ثم عمل النجار فهو أب في الخشب الذي هو أم النجارة بالآلات التي يقع بها النكاح وأنزال الماء الذي هو أثر كل ضربة بالقدوم أو قطع بالمنشار وكل قطع وفصل وجمع في القطع المنجورة لإنشاء الصورة فظهر التابوت الذي هو بمنزلة الولد المولود الخارج للحس فهكذا فلتفهم الحقائق في ترتيب الآباء والأمهات والأبناء وكيفية الإنتاج فكل أب ليس عنده صفة العمل فليس هو أب من ذلك الوجه حتى أنه لو كان عالما ومنع آلة التوصيل بالكلام أو الإشارة ليقع الإفهام وهو غير عامل لم يكن أبا من جميع الوجوه وكان أما لما حصل في نفسه من العلوم غير أن الجنين لم يخلق فيه الروح في بطن أمه أو مات في بطن أمه فأحالته طبيعة لأم إلى أن تصرف ولم يظهر له عين فافهم وبعد أن عرفت الأب الثاني من الممكنات وأنه أم ثانية للقلم الأعلى كان مما ألقى إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة والهباء فكان أول أم ولدت توأمين فأول ما ألقت الطبيعة ثم تبعتها بالهاء فالطبيعة والهباء أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة فأنكح الطبيعة الهباء فولد بينهما صورة الجسم الكلي وهو أول جسم ظهر فكان الطبيعة الأب فإن لها الأثر وكان الهباء الأم فإن فيها ظهر الأثر وكانت النتيجة الجسم ثم نزل التوالد في العالم إلى التراب على ترتيب مخصوص ذكرناه في كتابنا المسمى بعقلة المستوفز وفيه طول لا يسعه هذا الباب فإن الغرض الاختصار ونحن لا نقول بالمركز وإنما نقول بنهاية الأركان وإن الأعظم يجذب الأصغر ولهذا نرى البخار والنار يطلبان العلو والحجر وما أشبهه يطلب السفل فاختلفت الجهات وذلك على الاستقامة من الاثنين أعني طالب العلو والسفل فإن القائل بالمركز يقول إنه أمر معقول دقيق تطلبه الأركان ولولا التراب لدار به الماء ولولا الماء لدار به الهواء ولولا الهواء لدار به النار ولو كان كما قال لكنا نرى البخار يطلب السفل والحس يشهد بخلاف ذلك وقد بينا هذا الفصل في كتاب المركز لنا وهو جزء لطيف فإذا ذكرناه في بعض كتبنا إنما نسوقه على جهة مثال النقطة من الأكرة التي عنها يحدث المحيط لما لنا في ذلك من الغرض المتعلق بالمعارف الإلهية والنسب لكون الخطوط الخارجة من النقطة إلى المحيط على السواء لتساوي النسب حتى لا يقع هناك تفاضل فإنه لو وقع تفاضل أدى إلى نقص المفضول والأمر ليس كذلك وجعلناه محل العنصر الأعظم تنبيها على أن الأعظم يحكم على الأقل وذركناه مشارا إليه في عقلة المستوفز ولما أدار الله هذه الأفلاك العلوية وأوجد الأيام بالفلك الأول وعينه بالفلك الثاني الذي فيه الكواكب الثابتة للأبصار ثم أوجد الأركان ترابا وماء وهواء ونارا ثم سوى السموات سبعا طباقا وفتقها أي ففصل كل سماء على حدة بعدما كانت رتقا إذ كانت دخانا وفتق الأرض إلى سبع أرضين سماء أولى لأرض أولى وثانية لثانية إلى سبع وخلق الجواري الخنس خمسة في كل سماء كوكب وخلق القمر وخلق أيضا الشمس فحدث الليل والنهار بخلق الشمس في اليوم وقد كان اليوم موجودا فجعل النصف من هذا اليوم لأهل الأرض نهارا وهو من طلوع الشمس إلى غروبها وجعل النصف الآخر منه ليلا وهو من غروب الشمس إلى طلوعها واليوم عبارة عن المجموع ولهذا خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام فإن الأيام كانت موجودة بوجود حركة فلك البروج وهي اليام المعروفة عندنا لا غير فما قال الله خلق العرش والكرسي وإنما قال خلق السموات والأرض في ستة أيام فإذا دار فلك البروج دورة واحدة فذلك هو اليوم الذي خلق الله فيه السموات والأرض ثم أحدث الله الليل والنهار عند وجود الشمس لا الأيام وأما ما يطرأ فيها من الزيادة والنقصان أعني في الليل والنهار لا في الساعات فإنها أربع وعشرون ساعة وذلك لحلول الشمس في منطقة البروج وهي حائلية بالنسبة إلينا فيها ميل فيطول النهار إذا كانت الشمس في المنازل العالية حيث كانت وإذا حلت الشمس في المنازل النازلة قصر النهار حيث كانت وإنما قلنا حيث كانت فإنه إذا طال الليل عندنا طال النهار عند غيرنا فتكون الشمس في المنازل العالية بالنسبة إليهم وفي المنازل النازلة بالنسبة إلينا فإذا قصر النهار عندنا طال الليل عندهم لما ذكرناه واليوم هو اليوم بعينه أربع وعشرون ساعة لا يزيد ولا ينقص ولا يطول ولا يقصر في موضع الاعتدال فهذا هو حقيقة اليوم ثم قد نسمي النهار وحده يوما بحكم الاصطلاح فافهم وقد جعل الله هذا الزمان الذي هو الليل والنهار يوما والزمان هو اليوم والليل والنهار موجودان في الزمان جعلهما أبا وأما لما يحدث الله فيهما كما قال يغشى الليل النهار كمثل قوله في آدم فلما تغشاها حملت فإذا غشي الليل النهار كان الليل أيا وكان النهار أما وصار كل ما يحدث الله في النهار بمنزلة الأولاد التي تلد المرأة وإذا غشي النهار الليل كان النهار أبا وكان الليل أما وكان كل ما يحدث الله من الشؤن في الليل بمنزلة الأولاد التي تلد الأم وقد بينا هذا الفصل في كتاب الشأن لنا تكلمنا فيه على قوله تعالى ' كل يوم هو في شأن ' وسيأتي إن شاء الله في هذا الكتاب إن ذكرنا الله به من معرفة الأيام طرفا شافيا وكذلك قال تعالى أيضا ' يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ' فزاد بيانا في التناكح وأبان سبحانه بقوله ' وآية لهم الليل نسلخ منه النهار أن الليل أم له وأن النهار متولد عنه كما ينسلخ المولود من أمه إذا خرج منها والحية من جلدها فيظهر مولدا في عالم آخر غير العالم الذي يحويه الليل والأب هو اليوم الذي ذكرناه وقد بينا ذلك في كتاب الزمان لنا ومعرفة الدهر فهذا الليل والنهار أبوان بوجه وأمان بوجه وما يحدث الله فيهما في عالم الأركان من المولدات عند تصريفهما يسمون أولاد الليل والنهار كما قررناه ولما أنشأ الله أجرام العالم كله القابل للتكوين فيه جعل من حد مايلي مقعر السماء الدنيا إلى باطن الأرض عالم الطبيعة والاستحالات وظهور الأعيان التي تحدث عند الاستحالات وجعلها بمنزلة الأم وجعل من مقعر فلك السماء الدنيا إلى آخر الأفلاك بمنزلة الأب وقدر فيها منازل وزينها بالأنوار الثابتة والسابحة فالسابحة تقطع في الثابتة والثابتة والسابحة تقطع في الفلك المحيط بتقدير العزيز بدليل أنه رؤي في بعض الأهرام التي بديار مصر مكتوبا بقلم يذكر في ذلك تاريخ لأهرام أنها بنيت والنسر في الأسد ولا شك أنه الآن في الجدي كذا ندركه فدل على أن الكواكب الثابتة تقطع في فلك البروج الأطلس والله يقول في القمر ' والقمر قدرناه منازل ' وقال في الكواكب ' كل في فلك يسبحون ' وقال تعالى ' والشمس تجري لمستقر لها ' وقد قرئ لا مستقر لها وليس بين القراءتين تنافر ثم قال ' ذلك تقدير العزيز العليم ينظنر إلى قوله في القمر أنه قدره منازل وقال ' لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ' أي في شيء مستدير وجعل لهذه الأنوار المسماة بالكواكب أشعة متصلة بالأركان تقوم اتصالاتها بها مقام نكاح الآباء للأمهات فيحث الله تعالى عند اتصال تلك الشعاعات النورية في الأركان الأربعة من عالم الطبيعة ما يتكون فيها مما نشاهده حسا فهذه الأركان لها بمنزلة الأربعة النسوة في شرعنا وكما لا يكون نكاح شرعي عندنا حلالا إلا بعقد شرعي كذلك أوحى في كل سماء أمرها فكان من ذلك الوحي تنزل الأمر بينهن كما قال تعالى يتنزل الأمر بينهن يعني الأمر الإلهي وفي تفسير هذا التنزل أسرار عظيمة تقرب مما نشير إليه في هذا الباب وقد روى عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية لو فسرتها لقلتم إني كافر وفي رواية لرجمتموني وأنها من أسرار آي القرآن قال تعالى ' خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن ' ثم قال ' يتنزل الأمر بينهن ' ثم تمم وأبان فقال ' لتعلموا أن الله على كل شيء قدير ' وهو الذي أشرنا إليه بصفة العمل الذي ذكرناه آنفا من إيجاد الله صفة العلم والعمل في الأب الثاني فإن القدرة للإيجاد وهو العمل ثم تمم في الأخبار فقال وإن الله قد أحاط بكل شيء علما وقد أشرنا إليه بصفة العلم التي أعطاها الله للأب الثاني الذي هو النفس الكلية المنبعثة فهو العليم سبحاته بما يوجد القدير على إيجاد ما يريد إيجاده لا مانع له فجعل الأمر يتنزل بين السماء والأرض كالولد يظهر بين الأبوين وأما اتصال الأشعة النورية الكوكبية عن الحركة الفلكية السماوية بالأركان الأربعة التي هي أم المولدات في الحين الواحد للكل معا جعله الحق مثالا للعارفين في نكاح أهل الجنة في الجنة جميع نسائهم وجواريهم في الآن الواحد نكاحا حسيا كما أن هذه الاتصالات حسية فينكح الرجل في الجنة جميع من عنده من المنكوحات إذا اشتهى ذلك في الآن الواحد نكاحا جسميا محسوسا بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذه الحقيقة من حيث فكره وإنما يدرك هذا بقوة أخرى إلهية في قلب من يشاء من عباده كما أن الإنسان في الجنة في سوق الصور إذا اشتهى صورة دخل فيها كما تشكل الروح هنا عندنا وإن كان جسما ولكن أعطاه الله هذه القدرة على ذلك والله على كل شيء قدير وحديث سوق الجنة ذكره أبو عيسى الترمذي في مصنفه فانظره هناك فإذا اتصلت الأشعة النورية في الأركان الأربعة ظهرت المولدات عن هذا النكاح الذي قدره العزيز العليم فصارت المولدات بين آباء وهي الأفلاك والأنوار العلوية وبين أمهات وهي الأركان الطبيعية السفلية وصارت الأشعة المتصلة من الأنوار بالأركان كالنكاح وحركات الأفلاك وسباحات الأنوار بمنزلة حركات المجامع وكان حركات الأركان بمنزلة المخاض للمرأة لاستخراج الزبد الذي يخرج بالمخض وهو ما يظهر من المولدات في هذه الأركان للعين من صورة المعادن والنبات والحيوان ونوع الجن والإنس فسبحان القادر على ما يشاء لا إله إلا هو رب كل شيء ومليكه قال تعالى ' أن اشكر لي ولوالديك ' فقد تبين لك أيها الولي آباؤك وأمهاتك من هم إلى أقرب أب لك وهو الذي ظهر عينك به وأمك كذلك القريبة إليك إلى الأب الأول وهو الجد الأعلى إلى ما بينهما من الآباء والأمهات فشكرهم الذي يسرون به ويفرحون بالثناء عليهم هو أن تنسبهم إلى مالكهم وموجدهم وتسلب الفعل عنهم وتلحقه بمستحقه الذي هو خالق كل شيء فإذا فعلت ذلك فقد أدخلت سرورا على آبائك بفعلك ذلك وإدخال هذا السرور عليهم هو عين برك بهم وشكرك إياهم وإذا لم تفعل هذا ونسيت الله بهم فما شكرتهم ولا امتثلت أمر الله في شكرهم فإنه قال ' أن اشكر لي ' فقدم نفسه ليعرفك أنه السبب الأول والأولى ثم عطف وقال ' ولوالديك ' وهي الأسباب التي أوجدك الله عندها لتنسبها إليه سبحانه ويكون لها عليك فضل التقدم بالوجود خاصة لأفضل التأثير لأنه في الحقيقة لا أثر لها وإن كانت أسبابا لوجود الآثار فبهذا القدر صح لها الفضل وطلب منك الشكر وأنزلها الحق لك وعندك منزلته في التقدم عليك لا في الأثر ليكون الثناء بالتقدم والتأثير لله تعالى وبالتقدم والتوقف للوالدين ولكن على ما شرطناه فلا تشرك بعبادة ربك أحدا فإذا أثنيت على الله تعالى وقلت ربنا ورب آبائنا العلويات وأمهاتنا السفليات فلا فرق بين أن أقولها أنا أو يقولها جميع بني آدم من البشر فلم يخاطب شخصا بعينه حتى يسوق آباءه وأمهاته من آدم وحواء إلى زمانه وإنما القصد هذا النشء الإنساني فكنت مترجما عن كل مولود بهذا التحميد من عالم الأركان وعالم الطبيعة والإنسان ثم ترتقي في النيابة عن كل مولد بين مؤثر ومؤثر فيه فتحمده بكل لسان وتتوجه إليه بكل وجه فيكون الجزاء لنا من عند الله من ذلك المقام الكلي كما قال لي بعض مشيختي إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أو قلت السلام عليكم إذا سلمت في طريقك على أحد فاحضر في قلبك كل صالح لله من عباده في الأرض والسماء وميت وحي فإنه من ذلك المقام يرد عليك فلا يبقى ملك مقرب ولا روح مطهر يبلغه سلامك إلا ويرد عليك وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلج ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيمين في جلاله المشتغلين به المستفرغين فيه وأنت قد سلمت عليهم بهذا الشمول فإن الله ينوب عنهم في الرد عليك وكفى بهذا شرفا في حقك حيث يسلم عليك الحق فليته لم تسمع أحدا ممن سلمت عليه حتى ينوب عن الجميع في الرد عليك فإنه بك أشرف قال تعالى تشريفا في حق يحيى عليه السلام ' وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ' وهذا سلام فضيلة وأخبار فكيف سلام واجب ناب الحق مناب من أجاب عنه وجزاء الفرائض أعظم من جزاء الفضائل في حق من قيل فيه وسلام عليه يوم ولد فيجمع له بين الفضيلتين وقد وردت صلاة الله علينا ابتداء وما وصل إلي هل ورد السلام ابتداء كما وردت الصلاة أم لا فمن روى في ذلك شيأ وتحققه فقد جعلت أمانة في عنقه أن يلحقه في هذا الموضع إلى جانب صلاة الله علينا في هذا الباب ليكون بشرى للمؤمنين وشرفا لكتابي هذا والله المعين والموفق لا رب غيره وأما الآباء الطبيعيون والأمهات فلم نذكرهم فلنذكر الأمر الكلي من ذلك وهم أبوان وأمان فالأبوان هما الفاعلان والأمان هما المنفعلان وما يحدث عنهما هو المنفعل عنهما فالحرارة والبرودة فاعلان والرطوبة واليبوسة منفعلان فنكحت الحرارة اليبوسة فأنتجا ركن النار ونكحت الحرارة الرطوبة فأنتجا ركن الهواء ثم نكح البرودة الرطوبة فأنتجا ركن الماء ونكح البرودة اليبوسة فأنتجا ركن التراب فحصلت في الأبناء حقائق الآباء والأمهات فكانت النار حارة يابسة فحرارتها من جهة الأب ويبوستها من جهة الأم وكان الهواء حارا رطبا فحرارته من جهة الأب ورطوبته من جهة الأم وكان الماء باردا رطبا فبرودته من جهة الأب ورطوبته من جهة الأم وكانت الأرض باردة يابسة فبرودتها من جهة الأب ويبوستها من جهة الأم فالحرارة والبرودة من العلم والرطوبة واليبوسة من الإرادة هذا حد تعلقها في وجودها من العلم الإلهي وما يتولد عنهما من القدرة ثم يقع التوالد في هذه الأركان من كونها أمهات لآباء الأنوار العلوية لا من كونها آباء وإن كانت الأبوة فيها موجودة فقد عرفناك أن الأبوة والبنوة من الإضافات والنسب فالأب ابن لأب هو ابن له والابن أب لابن هو أب له وكذلك باب النسب فانظر فيه والله الموفق لا رب غيره ولما كانت اليبوسة منفعلة عن الحرارة وكانت الرطوبة منفعلة عن البرودة قلنا في الرطوبة واليبوسة إنهما منفعلتان وجعلناهما بمنزلة الأم للأركان ولما كانت الحرارة والبرودة فاعلين جعلناهما بمنزلة الأب للأركان ولما كانت الصنعة تستدعي صانعا ولابد والمنفعل يطلب الفاعل بذاته فإنه منفعل لذاته ولو لم يكن منفعلا لذاته لما قبل الانفعال والأثر وكان مؤثرا فيه بخلاف الفاعل فإنه يفعل بالاختيار إن شاء فعل فيسمى فاعلا وإن شاء ترك وليس ذلك للمنفعل ولهذه الحقيقة ذكر تعالى وهو من فصاحة القرآن وإيجازه ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين فذكر المنفعل ولم يذكر ولا حار ولا بارد لما كانت الرطوبة ذكرهما دون ذكر الأصل وإن كان الكل في الكتاب المبين فلقد جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما نالها أحد سواه كما قال فعلمت علم الأولين والآخرين في حديث الضرب باليد فالعلم الإلهي هو أصل العلوم كلها وإليه ترجع وقد استوفينا ما يستحقه هذا الباب على غاية الإيجاز والاختصار فإن الطول فيه إنما هو بذكر الكيفيات وأما الأصول فقد ذكرناها ومهدناها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثاني عشرإن كان الكل في الكتاب المبين فلقد جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما نالها أحد سواه كما قال فعلمت علم الأولين والآخرين في حديث الضرب باليد فالعلم الإلهي هو أصل العلوم كلها وإليه ترجع وقد استوفينا ما يستحقه هذا الباب على غاية الإيجاز والاختصار فإن الطول فيه إنما هو بذكر الكيفيات وأما الأصول فقد ذكرناها ومهدناها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الثاني عشر
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثاني عشر في معرفة دورة فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي
دورة السيادة وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله تعالى
إلا بأبي من كان ملكا وسيدا . . . وآدم بين الماء والطين واقف
فذاك الرسول إلا بطحى محمد . . . له في العلي مجد تليد وطارف
Page 195