وتابع المسخ: «ركضت مبتعدا عن ذلك المكان بأقصى سرعة. ركضت طوال طريق خروجي من المدينة. ركضت إلى أن وصلت كوخا قديما مقاما بجانب بيت صغير. كنت أدرك حينها أنني لا يجب أن أدخل إلى البيت لكي لا يرتعد مني الناس بالداخل ويحاولوا أن يؤذوني. زحفت إلى داخل الكوخ واختبأت هناك. لم يكن الكوخ رائعا، لكنه كان آمنا.
وكان هناك ثقب صغير في جدار الكوخ، ووجدت أنني أستطيع أن أشاهد الأسرة التي تعيش في البيت الصغير. رأيت فتاة صغيرة - سرعان ما عرفت بعد ذلك أن اسمها أجاثا - تحمل دلوا مملوءا بشيء ما إلى المنزل. التقاها أخوها عند باب البيت وأخذ الدلو منها كي لا تحمله أكثر من ذلك. وفي المرة التالية رأيت أخاها، الذي عرفت أن اسمه فيليكس، يحمل آلة ما ويسير نحو الغابة، ثم عاد محملا بالحطب اللازم لإشعال النيران.
أحببت هذه الأسرة الصغيرة. لقد بدوا حزانى، لكنهم كانوا مجدين في العمل. كان والدهما ضريرا، وعادة ما كان يجلس بجانب النيران يعزف على ناي خشبي، وكانت الموسيقى رائعة.
تعلمت الكثير منهم، وقضيت ساعات وساعات أشاهدهم. تعلمت الكلام من الإنصات إليهم، وتعلمت القراءة من خلال سماعهم وهم يروون القصص بعضهم لبعض. شاهدت الفتى والفتاة وهما يحسنان معاملة أبيهما، وشعرت أنه هكذا ينبغي أن تكون الأسرة، وتمنيت هذا لنفسي.
لقد كانوا فقراء للغاية لكنهم سعداء.
بدأت أساعدهم قدر استطاعتي، فامتنعت عن تناول طعامهم وعدت أتناول جذور النباتات والتوت. وفي الليل كنت آخذ أدوات فيليكس من الورشة كي أقطع كومات وكومات من الحطب من أجلهم. وكانوا دائما ما يندهشون لدى رؤية كومة جديدة من الحطب على عتبة بابهم كل صباح!
عاشوا حياة بسيطة هادئة. كانوا فقراء، لكنهم بدوا راضين. وتقت أن أتحدث إلى الرجل الطيب كي أناقش معه كتب فيليكس، وأقضي الوقت في مساعدة أجاثا في الحديقة. لم أبتغ شيئا أكثر من أن أصير جزءا من عائلتهم. أعلم أنك لم تردني أن أصير جزءا من عائلتك، إذ نبذتني بعدما أعطيتني الحياة بلحظات. لكن إذا استطعت أن أجد مكانا آخر لأنتمي إليه فسيعوضني هذا عن الألم الذي شعرت به بعدما تركتني.
وفي يوم من الأيام - وأنا في الغابة أقتات لنفسي طعاما - انحنيت لأشرب الماء فرأيت صورتي على صفحة الماء. يا إلهي! لقد كنت مسخا؛ مسخا مرعبا قبيحا. تمنيت أن تنظر الأسرة إلى قلبي يوما ما وترى حقيقتي، ولا تنظر إلى وجهي المخيف فحسب.
انقضى عام تقريبا، ورأيت أنه حان الوقت الآن كي أجري محاولة وأقابل هذه الأسرة التي أردت باستماتة أن أنضم إليها. وفي صباح أحد الأيام رأيت أجاثا وفيليكس يتركان والدهما وحده كي يتمشيا في الغابة. أمسك الرجل بقيثارته وعزف لبعض الوقت. يا لها من موسيقى عذبة! لقد ألهمتني. زحفت من مخبئي وسرت نحو الباب الأمامي وقرعته.
وسمعت الرجل يدعوني للدخول.
Unknown page