Fitna Kubra Cali Wa Banuhu
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
Genres
فالشيعة في هاتين الآيتين وغيرهما من الآيات معناها: الفرقة من الأتباع والأنصار الذين يوافقون على الرأي والمنهج ويشاركون فيهما، والرجل الذي كان من شيعة موسى كان رجلا من بني إسرائيل، والرجل الذي كان من عدو موسى كان رجلا من المصريين.
بذلك قال المفسرون القدماء الذين تلقوا التفسير عن الفقهاء من أصحاب النبي، وإبراهيم كان من شيعة نوح؛ أي على سنته ومنهاجه، يرى رأيه ويدين بدينه، كما قال هؤلاء المفسرون أيضا، فشيعة علي أثناء خلافته هم أصحابه الذين بايعوه واتبعوا رأيه، سواء منهم من قاتل معه ومن لم يقاتل.
ولم يكن لفظ الشيعة أيام علي مقصورا على أصحابه وحدهم، وإنما كان لمعاوية شيعته أيضا، وهم الذين اتبعوه من أهل الشام وغيرهم من الذين كانوا يرون المطالبة بدم عثمان والحرب في ذلك حتى يقام الحد على قاتليه، وليس أدل على ذلك من نص الصحيفة التي كتبت للتحكيم بعد رفع المصاحف في صفين، فقد جاء في هذه الصحيفة: «هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل العراق ومن كان من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين.»
فلفظ الشيعة هنا لا يضاف إلى علي ومعاوية كما ترى، وإنما يضاف إلى أهل العراق وأهل الشام، يريد كاتب الصحيفة أن يذكر من يناصر عليا وأهل العراق من المؤمنين والمسلمين في البلاد الإسلامية كلها، ومن يناصر معاوية وأهل الشام من المؤمنين والمسلمين في البلاد الإسلامية كلها أيضا، ومعنى ذلك أن الصحيفة تلزم الفريقين المختصمين بما فيها، ولا تلزم هذه الفئة القليلة من المعتزلة الذين أبوا أن يشاركوا في الفتنة من قريب أو بعيد.
لم يكن للشيعة إذن معناها المعروف عند الفقهاء والمتكلمين منذ أيام علي، وإنما كان لفظا كغيره من الألفاظ يدل على معناه اللغوي القريب، ويستعمل في هذا المعنى بالقياس إلى الخصمين جميعا، ولست أعرف نصا قديما أضاف لفظ الشيعة إلى علي قبل وقوع الفتنة، فلم يكن لعلي قبل وقوع الفتنة شيعة ظاهرون ممتازون من غيرهم من الأمة.
والرواة يحدثوننا بأن العباس أراد عليا على أن يبسط يده ليبايعه، فأبى علي أن يحدث الفرقة بين المسلمين.
والرواة يحدثوننا أيضا ويحدثنا علي نفسه في بعض كتبه إلى معاوية بأن أبا سفيان أراد عليا على أن ينصب نفسه للخلافة حتى لا يخرج الأمر من بني عبد مناف، فأبى علي ذلك عليه كما أباه على عمه العباس، ولكن أحدا لم يقل إن العباس كان شيعة لعلي، ولا إن أبا سفيان كان شيعة لعلي أيضا، وإنما عرض لهما هذا الرأي، فلما لم يستجب لهما علي بايعا أبا بكر ودخلا فيما دخل فيه الناس ، كما فعل علي نفسه مع الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه.
ويحدثنا الرواة كذلك أن المقداد بن الأسود وعمار بن ياسر، وربما ذكر سلمان الفارسي، أظهروا الدعوة لعلي أثناء الشورى حتى خاف بعض أهل الشورى تفرق الناس، فطلب إلى عبد الرحمن بن عوف أن يتعجل القضاء في الأمر، فلما بايع عبد الرحمن عثمان دخل المقداد وعمار فيما دخل فيه الناس، كما فعل علي نفسه، ولم يقل أحد في ذلك الوقت إن المقداد أو عمارا كان شيعة لعلي، وإنما رأيا رأيا، ثم انصرفا عنه ليكونا مع جماعة المسلمين.
ومعنى هذا كله أن عليا لم تكن له شيعة ممتازة من الأمة قبل الفتنة، ولم تكن له شيعة بالمعنى الذي يعرفه الفقهاء والمتكلمون أثناء خلافته، وإنما كان له أنصار وأتباع، وكانت كثرة المسلمين كلها له أنصارا وأتباعا، حتى كانت موقعة صفين، وحتى افتتح معاوية مصر، وحتى جعل معاوية يغير على أطراف علي في العراق والحجاز واليمن.
وقد قتل علي وليس له حزب منظم ولا شيعة مميزة، بل لم ينظم الحزب العلوي ولم توجد الشيعة المميزة إلا بعد أن تم اجتماع الأمر لمعاوية وبايعه الحسن بن علي كما سترى.
Unknown page