Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
امتدت تجربة الأفلام التجريبية إلى الصوت أيضا؛ فقد ترجم مخرج الأفلام التجريبية الألماني هانز ريختر الإيقاعات الصوتية إلى تجربة مرئية في العشرينيات والثلاثينيات. تعامل أيضا المخرج الهندي ماني كول، الذي ترعرع فنيا في ظل السينما الموازية المدعمة (أي الموازية للسينما التجارية) في السبعينيات، على نحو متكرر مع تقاليد الأغنية الهندية، من ضمنها «دهروباد» (1982)، الذي يسلب الألباب بصوت وصورة واحد من أساليب الأداء الموسيقى الكلاسيكية المصممة لتيسير التأمل الروحي. وتلقي مثل هذه الأعمال الضوء على الطريقة التي غالبا ما نسلم من خلالها بالصوت كأداة تواصل عاطفية ملائمة.
في كل هذه الأعمال، تغيب تقاليد «الفيلم الوثائقي التقليدي» إلى حد بعيد، فلا يوجد راو يخبرنا بما يحدث، ولا خبراء يمثلون المرجعية الموثوق بها، والحقيقة العادية مشوهة عن عمد حتى نراها على نحو مختلف، والموسيقى التصويرية تستخدم لأغراض أخرى خلاف الإيعاز بمشاعر مرتبطة بالقصة؛ فالأشكال ذات الألوان الفاتحة والداكنة، والصوت التنويمي للموسيقى التكرارية، ومنظر الأجسام المأخوذة من العالم الطبيعي، وهي معروضة بأضعاف حجمها العادي، وغيرها من الوسائل الأخرى، تسهم في إخراجنا من إطار عاداتنا البصرية. وقد ساهمت هذه التجارب في توسيع نطاق المناهج الشكلية المتاحة لصناع الأفلام الوثائقية، وفي الوقت نفسه، تتباين هذه التجارب تباينا حادا مع أكثر تقاليد الوثائقيات شيوعا، التي تستخدم غالبا في التليفزيون.
السياق الاقتصادي
تخضع التقاليد أيضا لوقائع وحقائق المجال التجاري؛ ففي التليفزيون، حيث يتخذ المشاهدون قرارا بشأن المشاهدة من عدمها في غضون ثانية أو ثانيتين، يجاهد المنتجون الآن لجعل كل ثانية ذات جاذبية، والإشارة إلى هوية العلامة التجارية، ليس فقط من خلال الشعارات الدالة على هويتها، ولكن من خلال الأسلوب أيضا، ويبحثون أيضا عن طرق لتبسيط عملية الإنتاج وجعلها أكثر فاعلية، وخفض النفقات من خلال الأسلوب والشكل. وفي شرح لا ينسى لأحد المسئولين التنفيذيين لقناة هيستوري في أواخر التسعينيات للصيغة المستخدمة في القناة آنذاك - إما مقاطع من صور فوتوغرافية مرخصة، أو من مشاهد تمثيلية صغيرة، أو أشياء مقحمة مع رءوس متكلمة متصلة معا من خلال السرد - لمجموعة من المنتجين المكافحين قال: «نحن نقوم بذلك لأنه زهيد التكلفة ويؤتي ثماره.»
اتجه صناع الأفلام إلى ثلاثة أنواع من الممولين لتمويل أفلامهم الوثائقية: الرعاة، سواء من الشركات أو الحكومة؛ و«المعلنون»، عادة في التليفزيون، وغالبا ما يكون على نحو غير مباشر؛ و«المستخدمون» أو الجماهير. وكل مصدر من مصادر التمويل أثر تأثيرا قويا على اختيارات صناع الأفلام.
كان الرعاة الحكوميون يمثلون أهمية قصوى لصناعة الأفلام الوثائقية ؛ ففي دول الكومنولث البريطاني، تضم المؤسسات التي تشجع صناعة وتوزيع الأفلام الوثائقية هيئة الإذاعة البريطانية، وهيئة الإذاعة الأسترالية، والمجلس القومي للسينما بكندا. وعبر جميع أنحاء القارة الأوروبية، تقدم الحكومات المعونات المالية للفنانين الذين يعملون في مجال الأفلام الوثائقية، وقد ازدهرت الأعمال الوثائقية الألمانية والفرنسية والهولندية في ظل هذا النوع من الاستثمار. وفي دول العالم الثالث، أحيانا ما تقدم القوى الاستعمارية السابقة منحا ثابتة للإنتاج الثقافي، وقد تقدم الحكومات القومية الموارد، وغالبا ما تتحكم في مجال صناعة الأفلام. وتمثل القومية الثقافية دافعا للحكومات القومية لتقديم هذا الدعم، إذ غالبا ما تعكس أفكار تصميم البرامج وأساليبها اهتماما بالتعبير عن الهوية القومية، لا سيما في مواجهة التدفق العالمي الذي لا يتوقف للإعلام الأمريكي العام.
في المقابل، كان دعم المواطن الأمريكي دافع الضرائب للأفلام الوثائقية هزيلا على المستوى التاريخي، في دولة طالما كانت السياسة الثقافية فيها تدعم الإعلام التجاري بقوة، وقد بعث مجال البث الإذاعي العام من جديد خلال فترة الازدهار الليبرالي التي صاحبت سياسات المجتمع العظيم في عهد ليندون جونسون؛ إذ خصصت صناديق عامة للقطاع غير التجاري اللاحكومي للمساعدة في بناء قدرات محطات البث العامة التي كانت واهية آنذاك في معظم المدن الكبرى. وخلال السبعينيات والثمانينيات، ساهمت مؤسسات ثقافية أخرى، خاصة الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية، والصندوق الوطني للفنون، الممولين من أموال دافعي الضرائب، في مجال الأفلام الوثائقية الأمريكية، وغالبا ما كانت الأساليب والأفكار والموضوعات الحساسة سياسيا تثير غضب المحافظين في الكونجرس.
ثمة طريقة أخرى تلعب بها الحكومات دورا مهما في صناعة الفيلم الوثائقي، وذلك من خلال تشريع يشجع أنواعا معينة من الإنتاج على أنواع أخرى؛ على سبيل المثال، حين أجازت الحكومة البريطانية وجود قنوات تليفزيونية تجارية خاصة، فرضت أيضا مسئوليات ضخمة فيما يتعلق بتحقيق المصلحة العامة، وهو ما ترجم إلى مشروعات أفلام وثائقية طموحة مولت على أمل الفوز بالسمعة، والتقدير، وتجديد رخصة المزاولة، وقد أطلقت القناة البريطانية الرابعة بتمويلات اقتطعت من الإيرادات الإعلانية لإحدى القنوات الخاصة، وفوض إليها عرض أعمال لمنتجين مستقلين، كان من بينهم مخرجو أفلام وثائقية. وقد زعم تشاد رافاييل أن مخاوف شبكة الإذاعة الأمريكية من القوانين والتشريعات الحكومية (إذ ضبطت الشبكات التليفزيونية متلبسة بالتلاعب في برامج المسابقات) قادت إلى فترة أغدق فيها بالتمويل على الأفلام الوثائقية الاستقصائية المتخصصة في الشئون العامة (وبالفعل، أدى سقوط التشريعات الحكومية الخاصة بالتليفزيون في الثمانينيات إلى انهيار في الأفلام الوثائقية التي تتناول الشئون العامة).
يلعب المراقبون الحكوميون دورا حقيقيا في وضع المعايير وتطبيق التقاليد، وغالبا ما تكون مؤسسات البث تحت رقابة صارمة من المراقبين الذين يتفقدون استخدام موجات البث التي تؤجرها الحكومة عادة لشركات فردية بشروط؛ ففي فيلم وثائقي عن تهريب المخدرات، وهو فيلم «الصلة»، روى براين وينستون فضيحة تفجرت في بريطانيا في عام 1998 بمصاحبة مشاهد أعيد تنفيذها، أو ربما حتى مشاهد من وحي الخيال، وقد وقعت مفوضية التليفزيون البريطانية المستقلة، وهي جهاز تنظيمي، غرامة على القناة التليفزيونية التي بثت الفيلم وأثارت بذلك النقاشات عن الرقابة الحكومية.
وقعت المفوضية الفيدرالية الأمريكية للاتصالات أيضا غرامة ابتذال، لقيت نقدا واسعا باعتبارها غرامة تعسفية، على محطة تليفزيونية عامة لقيامها ببث برنامج تاريخي، هو برنامج «ذا بلوز» (2003)، تلفظ فيه أحد ملحني الجاز بكلمة بذيئة، وقد دفع الحكم العديد من مؤسسات البث آنذاك لتوخي مزيد من الحذر في برامجها.
Unknown page