Film Wathaiqi Muqaddima Qasira
الفيلم الوثائقي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
تعرضت التقاليد والممارسات التي دشنها الثلاثي الأسطوري المؤسس للفيلم الوثائقي لتغيير جذري عنيف خلال ثورة الستينيات التي تعددت تسمياتها ما بين سينما الواقع، والسينما المباشرة، وسينما المراقبة والرصد؛ فقد خرج هذا الشكل إلى حد بعيد عن التقاليد والممارسات الوثائقية المعمول بها آنذاك؛ من التخطيط المسبق، وكتابة النص، والتمثيل، والإضاءة، وإعادة التجسيد، والمقابلات الشخصية. كانت كافة هذه المناهج متوافقة مع مواطن القصور التي شابت أجهزة ال 35 ملليمترا التي اتسمت بالضخامة وثقل الوزن، وكانت ملائمة أيضا لتوقعات الجمهور في ذلك الوقت، أما سينما الواقع (من منطلق استخدام مصطلح شامل شائع)، فقد وظفت تكنولوجيا ال 16 ملليمترا، التي صارت أكثر شيوعا ووجودا بعد أن نشرها الجيش خلال الحرب العالمية. كانت سينما الواقع تتحدث بصوت جديد عن موضوعات غالبا ما كانت مختلفة، وكان مخرجو سينما الواقع يصطحبون أجهزة ال 16 ملليمترا الأخف وزنا داخل أماكن لم تر من قبل - كبيوت العامة من الداخل، وساحات الرقص مع المراهقين، والغرف الخلفية في الحملات السياسية، وفي الكواليس مع المشاهير، وعلى خط الهجوم مع المهاجمين، وداخل مستشفيات الأمراض العقلية - ويصورون ما يرونه، وكانوا يأخذون كميات ضخمة من المشاهد المصورة إلى داخل غرف المونتاج، ومن خلال المونتاج كانوا يجدون قصة لسردها. وقد استخدموا ابتكار الصوت المتزامن - حيث أصبح بإمكانهم لأول مرة تسجيل الصورة والصوت في آن واحد في شريط 16 ملليمترا - لاستراق السمع على المحادثات العادية، وفي أغلب الأحيان كانوا يستغنون عن السرد.
ويعمل الممارسون الآن على توسيع المجال، بمن فيهم المخرجون الذين سبقت أعمالهم ظهور هذه الحركة، مثل المخرجة الفرنسية الأسطورية أجنس فاردا («جامعو القمامة وأنا» 2000)، والمخرجون الذين تشكل أعمالهم التقليد الحالي المعمول به مثل البريطاني كيم لونجينوتو، والصينية وانج بينج («غرب المضامير» 2003)، وغيرهما من المخرجين الصاعدين. ومن أحد مظاهر شيوع اختيار المخرجين الطموحين هذا الأسلوب مشروع خطوات نحو المستقبل (2002)، تناول هذا الإنتاج العالمي المشترك بين تليفزيون جنوب أفريقيا الوطني والعديد من تليفزيونات الخدمة العامة الأوروبية موضوع الإيدز المثير للجدل في جنوبي أفريقيا، وقد نتج عن ذلك حوالي ثمانية وثلاثين فيلما نفذ أغلبها على يد مخرجين جدد، وباستخدام تقاليد سينما الواقع.
التطور
بدأت هذه الثورة في الأسلوب في فترة تصاعد انعدام ثقة المستهلكين في سلطة الإعلام الرأسي المتجه من أعلى لأسفل، الذي يحتمل أن يكون قد تأجج بفعل تجربة العامة مع دعاية الحرب العالمية الثانية، وتأجج بالتأكيد بصعود الإعلان كلغة عالمية للإقناع وقوة تأثير وسائل الإعلام، وقد كان لانعدام الثقة ذاك في حد ذاته جذور راسخة في تيار أكثر اتساعا للحركات الاجتماعية المناصرة للعدالة، والمساواة، والانفتاح السياسي، والاحتواء؛ فقد وصلت هذه الحركات لكل ركن في العالم وأسفرت عن انتهاء الاستعمار، وتغيرات في الحكومات، وانتصارات في مجال حقوق الإنسان للجماعات التي كان يمارس ضدها تمييز، والتي تتراوح من الطبقات المنغلقة المتدنية إلى النساء وذوي الإعاقة.
في الواقع لم يكن لبوادر هذه الحركة علاقة بالتكنولوجيا؛ فالأفلام التي انبثقت عن حركة السينما الحرة البريطانية في أواخر الخمسينيات تتميز بالسخرية من التفويض الجاد لجريرسون بالتوعية والتعليم في خدمة الوحدة الوطنية، لقد حررت حركة السينما الحرة نفسها بالفعل من ذلك التفويض تماما، ففي فيلم «أرض الأحلام» (1953) لليندساي أندرسون، وفيلم «ماما لا تسمح» (1956) لكاريل رايس وتوني ريتشاردسون، يصطحب المشاهد في إجازة مع أطفال من الطبقة العاملة يذهبون إلى مكان ترفيهي وأحد أندية الجاز. لم تكن الأفلام تقيم شخصياتها ضمنا أو تملي على المشاهدين ما عليهم استنتاجه مما يشاهدونه، ولم تخبر مشاهديها بأن ما يشاهدونه مهم، لقد كانت الأفلام فرصا لإنعام النظر في لحظات الاستمتاع في حياة الأشخاص العاديين، وتعبيرات صريحة عن الاهتمامات الشخصية لمخرج الفيلم. ثمة أعمال أخرى اتخذت موقفا أخلاقيا متمردا قويا يخالف الأوضاع الراهنة؛ على سبيل المثال، قدم المخرج الفرنسي جورج فرانجو فيلم «دماء الوحوش» (1949)، وفيلم «فندق العاجزين» (1949) وصور من خلالهما جانبا من مجزر ودار لرعاية المحاربين القدامى على التوالي، وقد كشف «دماء الوحوش» النقاب عن الوحشية الكامنة خلف عملية التوريد الروتيني للحوم، وأقام مقارنات ضمنية بين ذبح الحيوانات وذبح البشر، أما الفيلم الثاني، فكان معارضا للنفوذ العسكري والإكليروسي معارضة صريحة.
وسرعان ما طبق المخرجون في كندا والولايات المتحدة وفرنسا الابتكارات التكنولوجية للترويج لطريقة جديدة في تنفيذ الأفلام الوثائقية، وقد مولت شركة تايم لايف برودكاستينج تجارب لروبرت درو، الذي عمل مع المهندس دي إيه بينبيكر، والمخرجين ديفيد وألبرت مايسلز وريتشارد ليكوك (وقد أصبح ليكوك مهووسا بالأفلام الوثائقية من خلال عمله مع فلاهرتي في فيلم «قصة لويزيانا»). وبمساعدة مخرج الأفلام الوثائقية والمهندس الفرنسي جان بيير بوفيولا، نجح هؤلاء المخرجون المبتكرون في تطوير نظام يسجل الصوت المتزامن مع اللقطات دون أن يتطلب ذلك الجمع بين أبطال الفيلم وجميع الأجهزة معا.
ازدهرت هذه التجارب في الولايات المتحدة، وإن لم يحالفها النجاح دائما، فقد تتبع فريق درو معركة انتخابية بين جون كينيدي وهوبرت همفري في فيلم «الانتخابات الأولية» (1960)، الذي رفض القائمون على البرامج في شبكة إيه بي سي إذاعته لما انتابهم من حيرة بشأنه، قائلين إنه يشبه «النسخ المتعجلة» (المعروف اليوم بالمشاهد غير الممنتجة)، أما اليوم فصار يبدو محكم الصنع، على الرغم من أنه ينقل نوعا من الفورية حابسة الأنفاس، كما ذكرت جين هول، ولا تزال شبكة إيه بي سي تعمل في هذا الشكل الفني، على الرغم من أنها تعيد تصوير المادة بحرية لتناسب أغراض الشبكة وأهدافها؛ على سبيل المثال، حين أنتج ريتشارد ليكوك فيلم «عيد أم سعيد» (1963)، وهو فيلم عن ميلاد التوائم الخماسية، أظهر سمات تجارية بالغة للاحتفالات العامة بالمواليد، أعادت شبكة إيه بي سي المشاهد لتحوله إلى قصة مؤثرة لبلدة تتحد لمساعدة الأسرة (وقد طرح ليكوك النسخة الأصلية فيما بعد).
أثارت سينما الواقع (التي تسمى أحيانا السينما المباشرة، أو سينما المراقبة والرصد، أو العين الصريحة، على اسم أحد المسلسلات التليفزيونية في كندا) حماس المخرجين بإمكانياتها، فقد أنتج ديفيد وألبرت مايسلز سلسلة من الأفلام الوثائقية المدهشة احتفي بها في دوائر الروائع الفنية التي كانت آنذاك شريانا حيويا في الثقافة السينمائية؛ ففي فيلم «البائع» (1968)، تتبع الأخوان مجموعة من بائعي الأناجيل الذين كانوا يعيشون تناقضات الحلم الأمريكي، وهم يبيعون كتابا مقدسا بإلحاح. لقد حولت مونتيرة الفيلم تشارلوت زويرين لقطاتهما إلى تراجيديا أمريكية، فكان الفيلم تعبيرا حزينا ومثيرا للمشاعر عن انهيار حلم انطلق في ذروة الانقسامات الاجتماعية في البلاد حول حرب فيتنام والقيم الثقافية، وعلى الرغم من أن فيلم «البائع» قد احتوى على معان اجتماعية ضمنية حادة، فقد تفادت معظم أعمال الأخوين مايسلز الموضوعات السياسية.
شكل 1-6: حول فيلم «البائع»، أحد كلاسيكيات سينما الواقع، بيع الأناجيل إلى حكاية رمزية عن الحلم الأمريكي. الفيلم من إخراج ألبرت وديفيد مايسلز عام 1968.
وفي المجلس القومي للسينما بكندا، أصبحت سينما الواقع - التي بدأت كصفعة على وجه الأخلاقيات الاجتماعية - أسلوبا أساسيا لوحدة من المفارقة، من المفارقة أن جون جريرسون هو من أسسها. وقد كان واحد من الأفلام الرائدة في هذا الاتجاه صورة لمحبوب المراهقين بول إنكا، وهو فيلم «الصبي الوحيد» (1961)، الذي أطلق الشرارة لفئة كاملة من الأفلام التي تتناول كواليس حياة المشاهير. وقد تبنى برنامج تحدي التغيير التابع للمجلس القومي للسينما بكندا - الذي أطلق في عام 1966 على يد كولين لو وجون كيمني لتشجيع ظهور أصوات وقضايا جديدة في الأفلام الوثائقية الكندية، وهو ما كان يحدث جزئيا من خلال تدريب الهواة على استخدام الكاميرا - سينما الواقع كلغة طبيعية له، وعلى الفور سارع جريرسون، المتلهف دائما لإظهار تأثيره، إلى الادعاء أن برنامج تحدي التغيير لم يكن إلا محاكاة لتقليده الخاص بتوثيق المشكلات الاجتماعية.
Unknown page