145

Fayd Khatir

فيض الخاطر (الجزء الأول)

Genres

لقد انهار الاستبداد في مظاهره المختلفة، وحلت محله ديمقراطية بأشكالها المختلفة. انهار استبداد رجال الدين بعد أن سيطروا على الشعوب أزمانا طويلة لقي فيها الناس من عنتهم ما كره إليهم الحياة.

وانهار استبداد الأب بأسرته، فلم يعد ذلك الأب الذي لا إرادة في البيت بجانب إرادته، ولا الأب الذي كلمته حكم، وطاعته غنم، وحل محله أب هين لين، يأمر حينا فيطاع، ويؤمر حينا فيطيع.

وتغيرت الغايات للسلطات فأصبحت الغاية من الحكومة لا أن تظهر بمظهر الآمر الناهي، ولكن أن تحقق العدالة والحرية للناس حتى للضعفاء، وأصبحت الغاية من الأب لا أن ينعم بسلطانه، وإنما الغرض منه ومن الأسرة كلها إيجاد جو صالح لنمو الطفل وتربيته ورقيه. وليس الغرض من المعلم أن ينفذ إرادته بالعصا، وإنما الغرض منه ومن الناظر والمدرسة كلها أن يمسكوا بدل العصا مصباحا يضيء للتلاميذ حقائق الحياة وسبل الحياة.

ولكن هذا الحكم الديمقراطي ليس يصلح إلا بتنظيم دقيق، بل هو إلى النظام أحوج من الحكم الاستبدادي؛ لأن الحكم الاستبدادي يحمل عبئه فرد واحد وأعوانه أيديه، وهو الرأس المدبر، فطبيعي أن يكون ظلمه وعدله منظما، أما الحكم الديمقراطي فيحمل عبئه عدد كبير، فإذا لم يؤد كل واجبه اختل البناء، ومثله مثل الآلة ذات الأجزاء المختلفة أو كالساعة ذات القطع المتعددة المتباينة، ولا ينتظم سير الآلة ولا سير الساعة حتى يقوم كل جزء بعمله.

وسبب آخر لحاجة الحكم الديمقراطي للنظام دون الحكم الاستبدادي، وهو أن الحكم الاستبدادي يرمي إلى تحقيق مصلحة فرد واحد أو طائفة محصورة، وذلك سهل يسير. أما الحكم الديمقراطي فيرمي إلى مصلحة الشعب جميعه وخاصة الضعفاء، كالفقراء والمرضى والفلاحين والعمال، وهؤلاء عددهم في كل أمة كبير، ولا يمكن تحقيق الخير لهم إلا بجهد كبير ونظام دقيق.

فإذا لم يتحقق هذا النظام فشل الحكم الديمقراطي، وظن قصار النظر أن العيب يرجع إلى طبيعة الحكم، وهو في الواقع لم يرجع إلا إلى سوء تطبيقه واستعماله. ثم إذا اختل كان نذيرا بعودة الاستبداد، وارتكن المستبدون وذوو السلطان إلى ما يبدو تحت أعين الأمة من سوء الحكم الديمقراطي وفساده، واتخذوا ذلك ذريعة إلى استرجاع سلطانهم واستعادة استبدادهم، وأعادوا الأمة إلى سيرتها الأولى يسخرونها لمنفعتهم ويستعملونها لمصلحتهم.

فإكسير الحياة للشرق الآن تحري العدالة في الحاكم، وتضحية شهواته، وتنظيم حكمه وحمل كل عبئه، وتنفيذ واجبه في دقة، وإلا كان تحت خطر الفوضى التي تقدم للأسد الرابض حجته وصياحه من جديد بأن الشرق أعطي حريته فلم يحسن استعمالها.

مقياس الشباب

أما الأطباء وعلماء الإحصاء فيقدرون الشباب بالسن، فمن بلغت سنه العشرين أو قبل ذلك قليلا أو بعد ذلك بسنين فشاب وإلا فلا؛ فتحديد السن هو مقياس الشباب، كما هو مقياس الطفولة والهرم، فإن شئت أن تعرف المخلوق أطفل هو أم شاب أم شيخ فأغمض عينك وعد السنين، ولا تنظر إلى قوة أو ضعف، ولا إلى صحة أو مرض.

وسار على نمط علماء اللغة، فقالوا: ما دام الإنسان في الرحم فهو جنين، فإذا ولد فهو وليد، ثم ما دام يرضع فهو رضيع، ثم إذا قطع عن اللبن فهو فطيم، فإذا كاد يجاوز عشر سنين أو جاوزها فهو ناشئ، فإذا كاد يبلغ الحلم أو بلغه فهو يافع ومراهق، ثم ما دام بين الثلاثين والأربعين فهو شاب، ثم هو كهل إلى الستين.

Unknown page